فعجب يزيد من حسن قوله ، فقال له : ادن يا ابن أبي صيفي ، فأدناه حتى أقعده قريبا منه ، فقال : هل تدري فيما تحالفت الأحلاف من ثقيف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : فأخبرني عن ذلك ، ـ وعمرو بن عبد عمرو جالس ـ فقال : لأخبرنّك عن ذلك بخبر صادق ، إنّ رجلا من بني الأشعر بن غاضرة بن حطيط وكان بينه وبين رجل من بني مالك ملاحاة في بعض الأمر ، فاستشرى فيه الأمر ، فغضبت له بنو مالك بأجمعها ـ وبنو مالك إذا ذاك أكثر ثقيف عددا ـ فأشفقت بنو الأشعر أن يجتمع عليهم بنو مالك ، وخافوا الهضمة والحيف والظلم والضعف ، فظعنوا فيهم حتى زالوا على بني عوف وابن قيس يحالفوهم على بني مالك ، ولم يحالف قوم قط قوما إلّا عن هضمة وضعف فيهم ، وقلّة من عددهم.
فغضب عمرو بن عبد عمرو من قوله فقال : بالله سمعت كلام رجل أبعد رشدا وصوابا (١) والله لتنتهين بابن أبي صيفي مما أسمع من كلامك أو لأوردنّك شعابا تجدنّها ثنايا لا تنبت إلّا سلعا وصابا ، وقال ابن خالد : السلع : المرّ والصاب العلقم.
قال ابن [أبي] صيفي : إنّك والله إن ترد شعابي تلقها مالكية مخصابا تبهق (٢) مياها عذابا ، وتلف أهلها موحشا ميئوسا صعابا.
فقال عمرو بن عبد عمرو : بل إن أردها ألقها قليلا تراها يابسا تراها متوحشا قواها دليلا حاها فقال عطاء بن أبي صيفي : بل ان يردها والله يلقها نديا تراها طيبا مرعاها ، منيعا حماها ، مضرا تهلك منحاها.
قال عمرو بن عبد عمرو : بل إن أردها القتها الرياح الزعزع ، والذئاب الجوّع ، بيداء بلقع ، لا تدفع كفا بمدفع.
قال ابن [أبي] صيفي : إن يردها يلقها ـ والله ـ طيبة المرتع ، آمنة المربع ، لينة المهجع ، تقطع مثلك يوم المجمع.
فلما سمع يزيد بن معاوية مقالتهما خشي أن يرتفع الأمر بينهما ، فقال : سألتكما لما كفيتما مما أسمع منكما ، ثم قال : الله إن سمعت كاليوم رجلين أمضى وأمضى.
فقال عطاء بن أبي صيفي : أما الأصل ـ يا أمير المؤمنين ـ فأصل مؤتلف ، وأما السبيل فمختلف ، كلّ بذلك مقرّ معترف.
__________________
(١) الأصل وم : «رشد وصواب» خطأ.
(٢) بدون إعجام بالأصل وم وفوقها فيها ضبة ، والمثبت عن المختصر.