يزيد ذات يوم يضرب بالقداح ، فأرسلت امرأته إلى عمرو : إنّ عمك يدعوك ، فجاءت به من وراء البيوت ، فلما دخل عليها لم يجد عمّه ، وأنكر شأنها فأرادته على نفسه فقال : لقد جئت بأمر عظيم ، فقالت : إمّا لتفعلنّ أو لأسوءنّك ، فقال : للمساءة ما دعوتني! ثم قال : فخرج وأمرت بجفنة وكفئت على أثر قدمه. فلما رجع مرثد وجدها متغضّبة فقال : ما شأنك؟ قالت : رجل قريب القرابة منك جاءني يسومني نفسي ، قال : من هو؟ قالت : أمّا أنا فلا أسميه ، وهذا أثر قدمه فعرف مرثد أثر عمرو ، فأعرض عنه وعرف عمرو من أين أتي فقال في ذلك :
لعمرك ما نفسي بجدّ رشيدة |
|
تؤامرني سرّا لأصوم مرثدا |
عظيم رماد القدر لا متعبّس |
|
ولا مؤيس منها إذا هو أخمدا |
فقد أظهرت منه بوائق جمّة |
|
وأفرع في لومي مرارا وأصعدا |
على غير ذنب أن أكون جنيته |
|
سوى قول باغ جاهد فتجهّدا |
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، عن (١) أبي بكر الخطيب ، أنا أبو منصور محمد بن علي بن إسحاق الكاتب ، أنا أبو بكر أحمد بن بشر بن سعيد الحرقي ، نا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزّاني ، نا أبو حاتم سهل بن عثمان السجستاني ، قال : سمعت مشيختنا قالوا : وعاش عمرو بن قميئة بن سعيد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة تسعين سنة ، وقال :
يا لهف نسفي على الشباب ولم |
|
أفقد به إذ فقدته أمما |
قد كنت في ميعة أسرّ بها |
|
أمنع صحبي وأهبط العصما |
وأسحب الريط والبرود إلى |
|
أدنى تجاري وأنفض اللمما |
وقال حين مضت له تسعون حجة ، وهي قصيدة (٢).
كأني وقد جاوزت تسعين حجة |
|
خلعت بها عني عذار لجامي |
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى |
|
فكيف (٣) بمن يرمى وليس برام |
فلو أنها نبل إذا لاتّقيتها (٤) |
|
ولكنما أرمى بغير سهام |
__________________
(١) بالأصل وم : بن ، تصحيف.
(٢) الأبيات في الأغاني ١٨ / ١٤٢ والشعر والشعراء ١ / ٣٧٧.
(٣) الأغاني : فما بال من يرمي وليس برام.
(٤) الأغاني : فلو أن ما أرمي بنبل رميتها. الشعر والشعراء : فلو أنني أرمي بنبل رأيتها.