قومي لعلّ الله أن يمنّ بي عليهم كما منّ بك عليّ؟ قال : فبعثني ، فقال : «عليك بالرّفق والقول السّديد ، ولا تكن فظا ولا متكبّرا ولا حسودا».
قال : فأتيت قومي ، فقلت : يا بني رفاعة ، بل يا معشر جهينة ، إنّي [رسول](١) رسول الله إليكم أدعوكم إلى الإسلام ، وآمركم بحقن الدّماء ، وصلة الأرحام ، وعبادة الله وحده ، ورفض الأصنام ، وبحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، شهر (٢) من اثني عشر (٣) [شهرا](٤) ، فمن أجاب فله الجنّة ، ومن عصى فله النار ، يا معشر جهينة جعلكم خيار من أنتم منه ، وبغّض إليكم في جاهليتكم ما حبّب إلى غيركم من العرب ، فإنهم كانوا يجمعون بين الأختين ، والغزاة في الشهر الحرام ، ويخلف الرجل على امرأة أبيه ؛ فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤي بن غالب تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة.
فأجابوني إلّا رجلا منهم ، فقال : يا عمرو بن مرّة ـ أمرّ الله عيشك ـ أتأمرنا برفض آلهتنا وأن نفرّق جمعنا ، وأن نخالف دين آبائنا الشّيم العلى إلى ما يدعونا إليه هذا القرشي من أهل تهامة؟ لا حبّا ولا كرامة ، ثم أنشأ الخبيث يقول :
إنّ ابن مرة قد أتى بمقالة |
|
ليست مقالة من يريد صلاحا |
إنّي لأحسب قوله ومقاله |
|
يوما وإن طال الزمان ذباحا |
ليسفّه الأشياخ ممّن قد مضى |
|
من رام ذلك لا أصاب فلاحا |
قال : فقال عمرو : الكاذب مني ومنك أمرّ الله عيشه ، وأبكم لسانه ، وأكمه أسنانه.
قال : فو الله ما مات حتى سقط فوه ، وعمي ، وخرف ، وكان لا يجد طعم الطعام ، فخرج عمرو بمن أسلم من قومه حتى أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فحيّاهم ورحّب بهم ، وكتب لهم كتابا هذه نسخته :
بسم الله الرّحمن الرحيم.
هذا كتاب أمان من الله العزيز على لسان رسوله بحقّ صادق ، وكتاب ناطق مع عمرو بن مرّة لجهينة بن زيد ، أنّ لكم بطون (٥) الأرض وسهولها ، وتلاع (٦) الأودية
__________________
(١) الزيادة عن م.
(٢) الأصل وم : شهرا.
(٣) الأصل وم : عشرا.
(٤) زيادة للإيضاح عن المختصر.
(٥) يقال لكل غامض بطن ، ولكل ظاهر ظهر ، يريد : إن لكم الوهدة من الأرض.
(٦) تلاع الأودية : ما انحدر من الأودية ، وما اتسع من فوهة الوادي.