لمّا فرض لي عمر ألفين تجوّعت ، فكان عمر يطعم الناس كل عشية ، فجلست على مائدته قبالته حيث يراني ، فنظر إليّ وإلى أكلي فقال إلي بيده فقال : ما هذا الأكل؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي كنت أصافي الجاهلية ، فكنت آكل الجذعة بكفلها فأعني على بطني ، فقال عمر بيده : ألفين ، فقلت : ألف هاهنا ، وألف هاهنا ، فأيّ شيء أجعل هاهنا؟ فقال بيده : خمسمائة ، قلت : ومرها لي ، فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة.
أنبأنا أبو المعالي ثعلب بن جعفر بن أحمد السّرّاج ، أنا أبي ، أنا أبو طاهر محمّد بن علي البيّع ، أنا أحمد بن محمّد البزّار ، أنا أحمد بن محمّد الصّوّاف ـ إجازة ـ نا الحارث بن محمّد التميمي ، حدّثني محمّد بن علي المدائني ، عن عائذ بن أبي عامر التميمي قال :
قدم عمرو بن معدي كرب على عمر بن الخطاب ، وعمر يغدي الناس ، وقد جهّز لعشرة عشرة ، فأجلسه مع عشرة ، فأكلوا ونهضوا وعمرو جالس ، فأجلس معه عشرة ، فأكلوا ونهضوا ، وأجلس معه عشرة ، فأكل معهم ونهض ونهضوا ، فأكل مع ثلاثين ثم قام.
قال : ونا المدائني عن يزيد بن نحيف قال : أكل عمرو بن معدي كرب عنزا رباعية وفرقا من ذرة ، والفرق ثلاثة آصع (١).
أخبرنا أبو علي الحسين بن علي من أشليها ، وابنه [أبو](٢) الحسن علي ، قالا : أنا أبو الفضل بن الفرات ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن عائذ ، نا عبد الرّحمن بن مغراء ، نا جابر بن يحيى القارئ قال :
لما افتتح سعد العراق ودرّ له الخراج ، وفد عمرو بن معدي كرب إلى عمر بن الخطّاب ، وكتب معه يذكر شجاعته وحسن مؤازرته ، فلمّا قدم على عمر قراه فرفع رأسه إليه فقال له : أيه يا عمرو كيف تركت سعدا؟ قال : تركته للمسلمين كالأب الرءوف ينقل إليهم نقل الدرة إلى حجرها ، أسدا في عريشه ، أعرابيا في ثمرته ، نبطيا في حبوته ، عاتقا في حجابها.
قال : كأنما اتفقتما في أمر واحد كتب يثني عليك ، أقبلت وتثنى عليه؟ قال : إنّي لم أثن إلّا بما رأيت ، قال : فدع عنك سعدا وأخبرني عن قومك؟ قال عمرو : قال عن فضلها وخيرها ، قال في كل فضل خير.
__________________
(١) القاموس المحيط وضبطت فيه بالفتح ، وقد يحرك : مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع ، أو يسع ستة عشر رطلا.
(وهما واحد).
(٢) سقطت من الأصل وم.