كنت واقفا على دار بني نصر أطلب لوزا مصلحا إذ أقبل حبشيّ بن (١) المؤذن إلى رجل من أهل قرية حلفبلتا (٢) معه لوز ، فساومه به وأعطاه عطية ، فلم يوجب ، ثم انصرف عنه إذ أقبل عمير بن جوصا ، فوقف عليه فقال : بكم القفيز؟ قال : بكذا وكذا درهما ، فأعطاه عطية ، فقال له الرجل : يا أبا حفص ، قد أعطاني حبشيّ [بن] المؤذن أكثر مما أعطيتني بدرهم فلم أوجبه له ، فقال : هو لك بما أعطاك ، إذ أقبل حبشي بن المؤذن فقال له : قد زادك الله ، قال : إنّي قد بعته من أبي حفص ، قال : فالتفت حبشيّ إلى عمير فقال : يا ابن اليهودية ، تدخل عليّ في سومي؟ فقال له : ويلي عليك يا نبطيّ ، يا ماصّ بظر أمّه ، إنّما أبوك قسيس من أهل حوّارين (٣) نبطيّ ، وأنا رجل من ولد هارون بن عمران عليهالسلام ، دخلنا في الإسلام رغبة فيه ، فزدنا شرفا على شرف ، نحن موالي (٤) رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فانصرف حبشي خازيا مما أجابه.
قرأت في كتاب محمّد بن علي بن موسى الحداد بخطه ، وأنبأنيه أبو محمّد بن الأكفاني عنه ، أنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر ، حدّثني أبو علي ، حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن أبي ثابت ، نا إسماعيل بن أسامة ـ وكان شيخا صالحا ـ قال :
رئي عمير بن يوسف بن جوصا بعد وفاته في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ قال : ما رأيت منزولا به أكرم من الله عفا عن السيئات ، وقبل الحسنات وتضمّن التّبعات ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) الأصل : «من» والمثبت عن م.
(٢) إعجامها مضطرب بالأصل وم ، والمثبت عن معجم البلدان ، وهي من قرى دمشق. وراجع غوطة دمشق لمحمد كردعلي ص ١٦٧.
(٣) حوارين : حصن من ناحية حمص (معجم البلدان).
(٤) جاء في ترجمة ابنه أحمد بن عمير في سير الأعلام ١٥ / ١٥ مولى بني هاشم ، ويقال مولى محمد بن صالح الكلابي.