فصمم أقدم على ذلك ، ولما أراد هدم البيت الشريف ، وبناه خرج أهل مكة خوفا ، وتلكأ العمال عن ذلك ، فأرقى عبد الله بن الزبير عبدا رقيق الساقين ، وعبيدا له من الجيوش بهدمونها رجاء أن يكون فيهم الحبشى الذى قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يخرب الكعبة ذو السوقتين من الحبشة».
قال الإمام عبد الله بن أسعد اليافعى (رحمهالله تعالى) فى تاريخه «مرآة الزمان» : أراد عبد الله بن الزبير أن يجعل الطين الذى تبنى به الكعبة من الورس ، فقيل له : إنه (١) لا يستمسك به البنيان كما يستمسك بالجص ، فأرسل إلى صنعاء اليمن ، طلب منها جصا نظيفا محكما ؛ فأتوه فبنى الكعبة ، فلما أكملوا هدمها ، كشف عن أساس إبراهيم عليهالسلام فوجد الحجر داخلا فى البيت ؛ فبنى البيت على ذلك الأساس وكان أدار سترا على فناء البيت ، فكان البناة يبنونه من وراء ذلك الستر ، والناس يطوفون من خارج ، فأدخل الحجر فى البيت ، وألصق باب الكعبة بالحجر ؛ ليدخل الناس منه ، وفتح لها بابا غربيا فى مقابلة هذا الباب ، ليخرج الناس منه ، كما كان عليه لما جددت قريش الكعبة ، قبل مبعث النبى صلىاللهعليهوسلم ، وخصوا النبى صلىاللهعليهوسلم ، وعمره الشريف يومئذ خمس وعشرون سنة.
وكانت النفقة قصرت بقريش لما بنوا الكعبة يومئذ ؛ فأخرجوا الحجر من البيت ، وجعلوا عليه حائطا قصيرا علامة على أنه من الكعبة ، فأزال عبد الله ابن الزبير ذلك الوضع ، وأعادها على ما كانت عليه فى الجاهلية ، وبنى على قواعد إبراهيم عليهالسلام ، وكان طول الكعبة قبل قريش تسعة أذرع ، فلما أكمل عبد الله بن الزبير طولها ثمانية عشر ذراعا رآها عريضة لا طول لها ، زاد فى طولها تسعة أذرع ؛ فصار لها فى السماء سبعة وعشرون ذراعا.
فلما فرغ من بنائها طيبها بالمسك والعنبر ، داخلا وخارجا ، من أعلاها إلى أسفلها ، وكساها من الديباج ، وبقيت من الحجارة بقية فرشها حول البيت الشريف ، نحوا من عشرة أذرع.
__________________
(١) فى (س) : لأنه.