الأمر والنهى ، وأفرحهم بذلك الإلباس ، وآنسهم بعد الوحشة ، وما دام لهم ذلك الإيناس ، وهكذا الدنيا تدول وتدال ، وما زال علكل زمان دولة ورجال ، أول من ولى منهم السفاح أبو العباس عبد الله بن محمد بن على بني عبد الله بن العباس رضياللهعنهم ، وكان أصغر من أخيه أبى جعفر المنصور.
قال ابن جرير الطبرى : كان بدوء أمر بنى العباس ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلم العباس عمه ، أن الخلافة تؤول إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك إلى أن بويع لابنه محمد سرا ، فلما مات محمد عهد لولده إبراهيم فسجنه مروان ، وقتله فى الحبس ، فعهد إبراهيم لأخيه عبد الله هذا ، وبويع فى الكوفة فى ثالث ربيع الأول سنة ١٣٢ ه ، وكان مولده سنة ١٠٨ ه ، وتوفى بالجدرى فى ذى الحجة سنة ١٣٦ ه.
وكان نقش خاتمه : الله ثقة عبد الله ، وبه يؤمن ، وكان عدولا سفلحا قتل فى مبايعته من بنى أمية وأتباعهم لا يحصى كثرة ، وتوطدت له الممالك من الشرق إلى أقصى الغرب ، وكان عمره ثمانية وعشرون عاما ، ومدة إمارته أربعة أعوام ، وجرت عادة الله فى الملوك والسلاطين قصر أعمار من أكثر سفك الدماء منهم.
وولى بعده أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور ، هو أحسن من أخيه ، وبويع له من أخيه ، فى أول سنة ١٣٧ ه ، وكان ظلوما عشوما ، هو أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين ، وقتل الأخوين محمد وإبراهيم ابنى محمد بن عبد الله بن الحسن بن على رضياللهعنهم.
وكانا خرجا عليه ، وآذى بسببهما خلقا كثير من العلماء قتلا وضربا ـ ممن أفتى بجواز الخروج عليه ـ منهم الإمام أبى حنيفة (رضى الله تعالى عنه) ، أكرهه على القضاء ؛ فأبى ، فسجنه فمات فى السجن.
وقيل : إنه سمه فى السجن لكونه أفتى بجواز الخروج عليه ، وسمى لنجله أبا الدوانق ؛ لمحاسبة العمال والصناع على الدانق والحبة.