المؤذنون ، ويسلمون عليه ، ويؤذنون الفجر ويقيمون الصلاة ؛ فيخرج ويصلى بالناس ، فخرج ذات ليلة فى السحر ، وشرع يطوف ، إذ سمع رجلا عند الملتزم يقول : اللهم إنى أشكو إليك ظهور البغى والفساد فى الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع ، فأسرع المنصور فى مشيته حتى ملأ مسامعه من كلامه ، ثم خرج من الطواف إلى ناحية المسجد ، ثم أرسل إلى ذلك الرجل ، فصلى ركعتين ، وقبل الحجر ، ثم أقبل مع الرسول وسلم على المنصور ؛ فقال له المنصور : ما هذا الذى سمعتك تقوله ، من ظهور البغى والفساد فى الأرض ، وما يحول بين الحق وأهله من الظلم. فو الله لقد حشوت مسامعى ما أقلقنى ، وأمرضنى ، وأشغل خاطرى ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن آمنتنى على نفسى ، وأصغيت إلىّ بأذن واعية ، أنبأتك بالأمور من أصلها ؛ وإلا احتجبت عنك بقدرة الله تعالى ، ولم تصل إلىّ ، واقتصرت على نفسى ففيها شغل شاغل عن غيرى ، فقال : آمن على نفسك ، فقل ؛ فإنى ألقى عليك السمع ، وأنا شهيد بالقلب ، فقال : إن الذى داخله الطمع ، حتى حال بينه وبين الحق ، ومنع من إصلاح ما ظهر من الفساد والبغى فى الأرض هو أنت ، فقال : أيها الرجل ، كيف يدخلنى الطمع ، والصفراء والبيضاء بيدى ، والحلو والحامض فى قبضتى ، ومن يحول بينى وبين ما أريد من ذلك ، فقال : هل داخل الطمع أحد من الناس ، ما داخلك يا أمير المؤمنين إن الله عزوجل استرعاك أمور المسلمين ، وأنفسهم ، وأموالهم ، فأغفلت عن أمورهم ، واهتممت بجمع أموالهم ، وجعلت بينك وبينهم حجابا من الحجر والطين ، وأبوابا من الخشب والحديد ، وحجابا معهم السلاح ، واتخذت وزراء فجرة ، وأعوانا ظلمة ، إن نسيت لا يذكرونك ، وإن أحسنت لا يعينونك ، وقويتهم على ظلم الناس بالأموال والسلاح والرجال ، وأمرت ألا يدخل عليك غيرهم من الناس ، ولم تأمر بإنصار المظلوم إليك ، ومنعت من إدخال الملهوف عليك ، وحجبت الجائع والعارى والمحتاج عنك ، وما أحد منهم إلا وله حق فى هذا المال ، فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك ، وآثرتهم على رعيتك ، وأمرتهم ألا يحجبوا