ومحصله : أنه كان له تاجر يستخدمه قبل سلطنته فى زمن إمارته ، اسمه الخوجا شمس الدين محمد بن عمر بن الزمن ، كان مقربا منه بعد سلطنته ، ويتعاطى له متاجرا مع دينه وخيرته ، ومآثره الجميلة ، واعتقاده فى العلماء والصلحاء ، واتصافه بطلب العلم أيضا.
وكان السلطان قايتباى أرسله إلى مكة ليتعاطى له تجارة ، وليعمر له جانبا من الحرم الشريف ، ومن الحجر الشريف ، ومن جوف الكعبة.
وهو الذى أمره بعمارة المسجد الشريف النبوى بعد الحريق المشهور الواقع فى سنة ٨٨ ه ، وبنى له المدرسة التى فى المدينة الشريفة ، وأجرى عين الزرقاء بالمدينة ، وعين خليص من طريق المدينة ، وعين عرفات ، وغير ذلك من الخيرات الجارية إلى الآن.
غيري أن حب الجاه ، ونفاد الأمر أوقعه فيما نذكره ، وهو أنه كان يبنى ميضأة أمر بعملها السلطان الملك الأشرف بن الناصر حسن بن قلاوون ، وكانت فى مقابلة باب على ، يحدها من الشرق بيوت الناس ، ومن الغرب المسعى الشريف ، ومن الجنوب مسيل وادى إبراهيم الذى يقال له الآن : سوق الليل ، ومن الشمال دار سيدنا العباس رضياللهعنه الذى هو الآن رباط يسكنه الفقراء ، واستأجر الخوجا شمس الدين بن الزمن هذا الميضأة ، وهدمها وهدم من المسعى مقدار ثلاثة أذرع ، وحفر ساسه ليبنى بها رباطا لسكن الفقراء ؛ فمنعه من ذلك قاضى القضاة بمكة ، عالم المسلمين وقاضى الشرع المبين ، القاضى برهان الدين إبراهيم بن على بن ظهيرة الشافعى ، فلم يمتنع من ذلك ؛ فجمع القاضى إبراهيم محضرا حافلا ، حضره علماء المذاهب الأربع ، ومن أجلهم مولانا الشيخ زين الدين قاسم قالطوبغا الحنفى رئيس العلماء الحنفية يومئذ ، والشيخ شرف الدين محمد بن عبيد الحنفى ، والشيخ علاء الدين الزواوى الحنبلى ، وبقية العلماء المكيين والقضاة والفقهاء.
وطلب الخوجا شمس الدين بن زمن ، وأنكر عليه جميع الحاضرين وقالوا له : فى وجهك ، إن أرض المسعى كان خمسا وثلاثون ذراعا ، وأحضر النقل