أدى مهندسا فيها الصناعة العظيمة بيوت جعلها على باب المسجد بثلاثة أدوار صنعة الأستاذين ، وهى دار بلصق الباب كان مسكن أمر الحاج ، وعلى الباب فى الدار المذكور سيلا مملا من صهريج كبير ، وجعل فى صحن المسجد يمتلأ من المطر ، وجعل للمسجد آخر إلى جهة عرفة وخوجة صغيرة إلى الجبل الذى فى صفحة «غار المرسلات» وهو الذى أنزلت فيه سورة المرسلات على النبى صلىاللهعليهوسلم.
وبالجملة : فهذا المسجد أثر عظيم باق إلى الآن من أثار المرحوم سلطان قايتباى ، وقد غلب الدثور (عمّر الله من عمره) ، وتسبب فى تعميره وعمر السلطان المذكور مسجد نمرة فى عرفة ، وهو المسجد الذى يجمع فيه الإمام بين الظهر والعصر جمع تقديم فى يوم عرفة للحاج المحرمين ، لأن لا يجمع عند أبى حنيفة فى غير ذلك الحال جمع تقديم إلا فى ذلك المسجد ، ولا جمع تأخير إلا فى المزدلفة ما بين المغرب والعشاء للحاج ، وجعل فى ذلك المسجد رواقين عظبمين يتظلل بها الحاج وقت الصلاة من الشمس ، وجدد العلمين الموضوعين بحد عرفة ، وبيض المسجد الذى بمزدلفة على جبل قزح ، وهو المسجد على رأى ، وجدد عين عرفات وابتدأ العمار العمل منها من سفح جبل الرحمة إلى وادى بعمان ، فوجد الماء كثيرا فاقتصر على ذلك ولم يصل إلى أم العين ، وكانت قد انقطعت مدة مائة خمسين ، وكان الحجاج يقلون فى يوم عرفة من قلة الماء لا يصبر عليه ، ثم أصلح البرك وسلاها بالماء ، ثم أصلح «عيني خليص» وأجراها ، وأصلح بركتها وأجرى فيها ، وامتلأت البرك ، وعم النفع بها وبعين عرفات.
وكان ذلك من أعظم الخيرات التى بالنسبة إلى الحجاج والزوار ـ وذلك فى سنة ٨٧٩ ه ـ.
ووصل منه خشب للمسجد الحرام فى الخامس والعشرين من ذى القعدة إلى مكة المشرفة فى البر ، فركب من جهة باب السلام وجرى إلى المطاف وخطب عليه الخطيب فى أول ذى الحجة.