لها : إذا وضعت إحدى الجوارى بعد الآن صبيا فاقتليه ولا تبقيه حيا ، وإذا ولدت أنثى أتركيها لتعيش مع بناتى ، وأكد عليها فى ذلك غاية التأكيد ، واستمرت على ذلك إلى أن ولدت السلطان سليم والدته فرأت صبيا فحزنت عليه ، وتناولته القابلة لتحققه فرأت صورة جميلة فرقت ، وقالت فى نفسها : بأى وجه ألقى الله تبارك وتعالى فى قتل هذاي الطفل المعصوم؟ والله لا أقدم على قتله» ، وقالت لبايزيد بأن حصل له بنت جميلة حسنة الصورة ، فلما أخبره بذلك سماها «سليمة».
واستمر على ذلك والحال مكتوم لا يعلمه غير القابلة والأم والله سبحانه وتعالى ، وصار كلما كبر وانتشأ ظهر عليه سيما الغلبة والقهر ، وإذا اجتمعن البنات وجلس بينهن لطم من إلى جانبه ، وضرب ونهب ما وجد بأيديهن من ملعوبات الأطفال ، وكانوا يحدرون منه ، فدخل السلطان بايزيد فى يوم عيد إلى داخل السراى ، وأمر بالمكان قرين ، واستدعى ببناته ، وأجلسهن بين يديه ، وأمر أن يوضع بين يدى كل واحدة منهن أنواع الحلاوين ، والفواكه ، وأحضر بينهن السلطان سليم ـ واسمه سليمة ـ فشرع فى غرامته على عادته وخطف ما بين أيديهن من الحلاوى والفواكه ، ووضع الكل بين يدى نفسه ، والكل خائفات منه هائبات له ، فتعجب السلطان بايزيد بذلك ، وصار يتأمله جديدا ، وفى أثناء ذلك دار بينهم يعسوبا كبيرا أرادوا مسكه فعجزوا عنه ، وهو يلسع من يريد مسكه فيهابون منه ، فمد السلطان سليم يده ، وهو حوله فصاده بكفه ، ومرسه ، وخنقه ، ورماه من يده ، فازداد تعجب السلطان بايزيد منه ، وقال للنساء الواقفات : هذا لا يكون بنتا! اكشفوا لى عنه ، فبادرت القابلة وقالت : هذا صبى ، وليست ببنت ، فقال لها : وكيف خالفت أمرى وما قتلتيه؟ فقالت : خفت من الله سبحانه وتعالى رب العالمين وخلصت ذمتى وذمتك من قتل معصوم ولا ذنب له ، فتفكر طويلا ثم قال : ما قدر الله تعالى فهو كائن لا مفر عنه ، وأمر بالكف عنه ، وتربيته ، إلى أن كان ما كان بتقدير الله تعالى.
* * *