تعالى) فى عام سنة ٩١٦ ه ، على يد الأمير خير باك العمار (رحمهالله تعالى) إلى أن جرت وملأت به فى البرك فى المعلاة ، ثم جرت إلى بازان ، ثم إلى بركة ما جره فى درب اليمن من أسفل مكة ، وارتق الناس بذلك.
ثم انقطعت من أوائل الدولة العثمانية بهذه أقطار الحجازية ، وبطلت العيون لقلة الأمطار ، وتهدمت قنواتها ، وانقطعت عين حنين عن مكة المشرفة ؛ فصار أهل البلاد يستقون من آبار حول مكة ، من آبار يقال لها العيلات فى علو مكة ، قريب من المنحنى ، ومن آبار فى أسفل مكة يقال لها الزاهر ، وتسمن الآن بالجوخى فى طريق التنعيم ، وكان الماء غاليا قليل الوصول ، وكذلك انقطعت عيون عرفات ، وتهدمت من قنواتها ، وكان الحجاج يحملون من الماء إلى عرفات ، من الأمكنة البعيدة ، وصار فقراء الحجاج فى يوم عرفة لا يطلبون شيئا غير الماء لعزته ، ولا يطلبون الزاد ، وربما جلبه بعض الأقوياء من الأمكنة البعيدة للبيع ؛ فيحصلون أموالا فى ذلك لغلو ثمنه.
وإنى أذكر أنه فى سنة قل الماء فى الآبار البعيدة أيضا ؛ فارتفع سعر الماء جدا فى يوم عرفة ، وكنت يومئذ مراهقا فى خدمة والدى رحمهالله وفرغ الماء الذى كنا حملناه من مكة إلى عرفات ، وعطش أهلنا ؛ فطلبت قليلا من الماء للشرب ، فاشتريت قربة ماء صغيرة جدا ، يحملها الإنسان بأصبعه بدينار ذهب ، والفقراء يصيحون من العطش يطلبون من الماء ما يبل حلوقهم فى ذلك اليوم الشريف ، فشرب أهلنا بعض تلك القربة ، وتصدقوا بباقيه على الفقراء ، وعطشت عقيبه ، وجاء بعد الوقوف ، والناس عطاشى مهلوفون ؛ فأمطرت السماء ، وسالت السيول من فضل الله تعالى ، ورحمهالله ، والناس واقفون تحت جبل الرحمة ، فصاروا يشربون من السيل من تحت أرجلهم ، ويسقون دوابهم ، وحصل البكاء والضجيج الكثير من الحجاج فى وقت الوقوف ، لما رأوا من رحمة الله تعالى ولطفه بهم ، وإحسانه إليهم ، وتكرمه عليهم ، ولا أزال أتذكر به من رحمة الله الكريم ، وأتيقن نه هو الغفور الرحيم الذى ينزل على عباده الرحمة من بعد ما قنطوا.