عمران المشدّالي (١) من تلاميذ أبي علي ناصر الدّين (٢) وتفقّه عليه ، وبرّز في العلوم ، إلى حيث لم تلحق غايته. وبنى السّلطان أبو تاشفين مدرسته بتلمسان ، فقدّمه للتدريس بها ، يضاهي به أولاد الإمام. وتفقّه عليه بتلمسان جماعة ؛ كان من أوفرهم سهما في العلوم أبو عبد الله المقّري هذا.
ولما جاء شيخنا أبو عبد الله الآبلي إلى تلمسان ، عند استيلاء السّلطان أبي الحسن عليها ، وكان أبو عبد الله السلاوي قد قتل يوم فتح تلمسان ، قتله بعض أشياع السّلطان ، لذنب أسلفه في خدمة أخيه أبي علي بسجلماسة ، قبل انتحاله العلم ، وكان السّلطان يعتدّه عليه ، فقتل بباب المدرسة ، فلزم أبو عبد الله المقّري بعده مجلس شيخنا الآبلي ، ومجالس ابني الإمام ، واستبحر في العلوم وتفنّن.
ولمّا انتقض السّلطان أبو عنان ، سنة تسع وأربعين وخلع أباه ، ندبه إلى كتاب البيعة ، فكتبها وقرأه على الناس في يوم مشهود ، وارتحل مع السّلطان إلى فاس ؛ فلما ملكها ، عزل قاضيها الشيخ المعمّر أبا عبد الله بن عبد الرزّاق (٣) وولاه مكانه ، فلم يزل قاضيا بها ، إلى أن سخطه لبعض النزعات الملوكية ، فعزله ، وأدال منه بالفقيه أبي عبد الله الفشتالي (٤) آخر سنة ستّ وخمسين ؛ ثم بعثه في سفارة إلى الأندلس. فامتنع من الرجوع ، وقام السّلطان لها في ركائبه ، ونكر على صاحب الأندلس (ابن الأحمر) (٥) تمسّكه به ، وبعث إليه فيه يستقدمه ، فلاذ منه ابن
__________________
(١) هو أبو موسى عمران المشدّالي ، بفتح الميم ، والشين ، وتشديد الدال المفتوحة ، (٦٧٠ ـ ٧٤٥) ترجمته في نيل الابتهاج ص ٢١٥ ، ونفح الطيب ٣ / ١٢٠.
(٢) أبو علي ناصر الدين المشدالي ؛ منصور بن أحمد بن عبد الحق : فقيه معروف (٦٣١ ـ ٧٣١) ترجمته في نيل الابتهاج ص ٣٤٤ وما بعدها.
(٣) ستأتي قريبا ترجمة لابن عبد الرزاق في كلام ابن خلدون.
(٤) أبو عبد الله محمد بن أحمد الفشتالي القاضي بفاس ؛ كان بيته معمورا بالجود والخير والصلاح ، وكان أبو عبد الله هذا أحد أعلام المغرب. انظر الإحاطة ٢ / ١٣٣ ، جذوة الاقتباس ص ١٤٦ ، المرقبة العليا ص ١٧٠.
(٥) الزيادة عن نيل الابتهاج.