دولته ، وكان مختصّا به ، وأثيرا لديه. وأصله من برجة الأندلس ، نشأ بها ، واجتهد في العلم والتحصيل ، وقرأ ، وسمع ، وتفقّه على مشيخة الأندلس ، واستبحر في الأدب ، وبرّز في النّظم والنثر. وكان لا يجارى في كرم الطّباع ، وحسن المعاشرة ، ولين الجانب ، وبذل البشر ، والمعروف ، وارتحل إلى بجاية في عشر الأربعين والسبعمائة ، وبها الأمير أبو زكرياء بن السّلطان أبي يحيى ، منفردا بملكها ، على حين أقفرت من رسم الكتابة والبلاغة ، فبادرت أهل الدّولة إلى اصطفائه ، وإيثاره بخطّة الإنشاء ، والكتابة عن السّلطان ، إلى أن هلك الأمير أبو زكرياء ، ونصب ابنه محمد مكانه ، فكتب عنه على رسمه ، ثم هلك السّلطان أبو يحيى ، وزحف السّلطان أبو الحسن إلى إفريقية ، واستولى على بجاية ، ونقل الأمير محمدا بأهله وحاشيته إلى تلمسان ، كما تقدم في أخباره.
فنزل أبو القاسم البرجي تلمسان وأقام بها ، واتّصل خبره بأبي عنان ، ابن السّلطان أبي الحسن ، وهو يومئذ أميرها. ولقيه ، فوقع من قلبه بمكان ، إلى أن كانت واقعة القيروان.
وخلع أبو عنان ، (١) واستبدّ بالأمر ، فاستكتبه وحمله معه إلى المغرب ، ولم يسم به إلى العلامة ، لأنه آثر بها محمد بن أبي عمرو ، بما كان أبوه يعلّمه القرآن والعلم. وربي محمد بداره ، فولاه العلامة ، والبرجيّ مرادف له في رياسته ، إلى أن انقرضوا جميعا. وهلك السّلطان أبو عنان ، واستولى أخوه أبو سالم على ملك المغرب وغلب ابن مرزوق على هواه كما قدمناه ، فنقل البرجي من الكتابة ، واستعمله في قضاء العساكر ، فلم يزل على القضاء ، إلى أن هلك سنة (...) وثمانين. (٢)
وأخبرني رحمهالله أن مولده سنة عشر.
__________________
(١) ولد أبو عنان هذا سنة ٧٢٩ بفاس ، وبويع في حياة والده ، يوم ثار عليه بتلمسان سنة ٧٤٩ ، وتوفي قتيلا سنة ٧٥٩. وانظر قصة ثورته على أبيه ، وأسبابها ، في العبر ٧ / ٢٧٨ وما بعدها ، الاستقصا ٢ / ٨٩ ، ١٠١ ـ ١٠٢.
(٢) في نيل الابتهاج ص ٢٦٧ ، نقلا عن ابن خلدون «... إلى أن هلك بعد الثمانين وسبعمائة» ، ونقل أيضا عن «فهرسة» السراج أنه توفي سنة ٧٨٦ ه.