وأوجب حقّه وانقلب إلى تلمسان ، وانتصب لتدريس العلم وبثّه ، فملأ المغرب معارف وتلاميذ ، إلى اضطراب المغرب ، بعد واقعة القيروان ؛ ثم هلك السّلطان أبو الحسن ، وزحف ابنه أبو عنان ، إلى تلمسان ، فملكها ، سنة ثلاث وخمسين ، فاستخلص الشريف أبا عبد الله ، واختاره لمجلسه العلمي ، مع من اختار من المشيخة. ورحل به إلى فاس ، فتبرّم الشريف من الاغتراب ، وردّد الشّكوى فأحفظ السّلطان بذلك ، وارتاب به. ثم بلغه أثناء ذلك أن عثمان بن عبد الرحمن ، (١) سلطان تلمسان ، أوصاه على ولده ، وأودع له مالا عند بعض الأعيان من أهل تلمسان ، وأن الشّريف مطّلع على ذلك ، فانتزع الوديعة ، وسخط الشريف بذلك ونكبه ، وأقام في اعتقاله أشهرا ، ثم أطلقه أوّل ستّ وخمسين وأقصاه ، ثم أعتبه بعد فتح قسنطينة وأعاده إلى مجلسه ، إلى أن هلك السّلطان ، آخر تسع وخمسين.
وملك أبو حمّو بن يوسف بن عبد الرحمن تلمسان من يد بني مرين ، واستدعى الشريف من فاس ، فسرّحه القائم بالأمر يومئذ ، الوزير عمر بن عبد الله ، فانطلق إلى تلمسان. وتلقّاه أبو حمّو براحتيه ، وأصهر له في ابنته ، فزوّجها إياه ، وبنى له مدرسة جعل في بعض جوانبها مدفن أبيه وعمّه. وأقام الشريف يدرّس العلم إلى أن هلك سنة إحدى وسبعين. وأخبرني رحمهالله ، أن مولده سنة عشر. (٢)
ومنهم صاحبنا الكاتب القاضي أبو القاسم محمد بن يحيى البرجي (٣) من برجة (٤) الأندلس. كان كاتب السّلطان أبي عنان ، وصاحب الإنشاء والسّرّ في
__________________
(١) هو أبو سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحي بن يغمراسن. انظر أخباره في تاريخ ابن خلدون ٧ / ١١٥ ـ ١١٧.
(٢) ما ذكره ابن خلدون في ولادته هو الصحيح. انظر نيل الابتهاج ص ٢٥٦.
(٣) أبو القاسم محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم الغساني البرجي الغرناطي المتوفى سنة ٧٨٦ ه. جذوة الاقتباس ص ١٩٧ ، الإحاطة ٢ / ٢١٥ وما بعدها.
(٤) برجةBerja) عرضها الشمالي ٥ ـ ٣٦ ، وطولها الغربي ٥٦ ـ ٢) : مدينة بشرقي الأندلس ، من إقليم المرية. وهي بفتح الباء ، والجيم ، وبينهما زاء ساكنة ، وقد انتقل غالب أهلها ، بعد استيلاء المسيحيين عليها ، إلى مدينة فاس بالمغرب الأقصى. تاج العروس (برج). ياقوت ٢ / ١١٣.