ومنهم صاحبنا الإمام العالم الفذّ ، فارس المعقول والمنقول ، صاحب الفروع والأصول ، أبو عبد الله ، محمد بن أحمد الشريف الحسني ، (١) ويعرف بالعلويّ ، نسبة إلى قرية من أعمال تلمسان ، تسمى العلوين ؛ وكان أهل بيته لا يدافعون في نسبهم ، وربما يغمز فيه بعض الفجرة ، ممن لا يزعه دينه ، ولا معرفته بالأنساب ، فيعدّ من اللّغو ، ولا يلتفت إليه.
نشأ هذا الرجل بتلمسان ، وأخذ العلم عن مشيختها ، واختصّ بأولاد الإمام ، وتفقّه عليهما في الفقه ، والأصول والكلام ، ثم لزم شيخنا أبا عبد الله الآبليّ. وتضلّع من معارفه ، فاستبحر ، وتفجّرت ينابيع العلوم من مداركه ؛ ثم ارتحل إلى تونس في بعض مذاهبه ، سنة أربعين ، ولقي شيخنا القاضي أبا عبد الله بن عبد السّلام ، وحضر مجلسه ، وأفاد منه ، واستعظم رتبته في العلم ، وكان ابن عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محلّه ، ويعرف حقّه ، حتى لزعموا أنه كان يخلو به في بيته ، فيقرأ عليه فصل التّصوف من كتاب الإشارات لابن سينا ، (٢) بما كان هو قد أحكم ذلك الكتاب على شيخنا الآبليّ ، وقرأ عليه كثيرا من كتاب الشّفاء لابن سينا ، ومن تلاخيص كتب أرصطو (٣) لابن رشد ، (٤) ومن الحساب والهيئة ، والفرائض ، علاوة على ما كان يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشّريعة. وكانت له في كتب الخلافيات يد طولى ، وقدم عالية ، فعرف له ابن عبد السلام ذلك كلّه ،
__________________
(١) في نيل الابتهاج ص ٢٥٥ ، والبستان ص ١٦٤ ، ١٨٤ ترجمة واسعة للشريف التلمساني العلوي هذا.
(٢) انظر ترجمة ابن سينا : أبي علي الحسين بن عبد الله (٣٧٠ ـ ٤٢٨) في تاريخ الأدب العربي لبروكلمن ١ / ٤٥٣ والملحق ١ / ٨١٢ ؛ ففيه الحديث الواسع عنه ، وعن مؤلفاته ، وعما قام حولها من دراسات وأبحاث.
(٣) هكذا رسمه ، وضبطه بالقلم ابن خلدون.
(٤) أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد. انظر ترجمته في تاريخ الأدب العربي لبروكلمن ١ / ٤٦١ ، والملحق ١ / ٨٣٣ ، حيث أفاض في الحديث عنه وعن مؤلفاته ، وعما حوله ، وحولها من أبحاث.