وغفلت عن التحفّظ في مثل ذلك ، من غيرة السّلطان ، فما هو إلا أن شغل بوجعه ، حتى أنمى إليه بعض الغواة ، أن صاحب بجاية ، معتمل في الفرار ليسترجع بلده ، وبها يومئذ وزيره الكبير ، عبد الله بن علي ، فانبعث السّلطان لذلك ، وبادر بالقبض عليه. وكان فيما أنمي إليه ، أنّي داخلته في ذلك ، فقبض عليّ ، وامتحنني وحبسني ، وذلك في ثامن عشر صفر ، سنة ثمان وخمسين.
ثم أطلق الأمير محمدا ، وما زلت أنا في اعتقاله ، إلى أن هلك. وخاطبته بين يدي مهلكه ، مستعطفا بقصيدة أولها :
على أيّ حال لليالي أعاتب |
|
وأيّ صروف للزّمان أغالب |
كفى حزنا أنّي على القرب نازح |
|
وأنّي على دعوى شهودي غائب |
وأنّي على حكم الحوادث نازل |
|
تسالمني طورا وطورا تحارب |
ومنها في التشوّق :
سلوتهم إلا ادّكار معاهد |
|
لها في الليالي الغابرات غرائب |
وإن نسيم الريح منهم يشوقني |
|
إليهم وتصبيني البروق اللواعب |
وهي طويلة ، نحو مائتي بيتا ، (١) ذهبت عن حفظي ، فكان لها منه موقع ، وهشّ لها. وكان بتلمسان فوعد بالإفراج عني عند حلوله بفاس ، ولخمس ليال من حلوله
__________________
(١) قد ذكر ابن الأحمر في نثير الجمان ص ١١٧ ـ ١٢٣ (نسخة خاصة) هذه القصيدة عند تعريفه بابن خلدون ، وجاءت عدة أبياتها هنالك ١٠٧ ، والظاهر من أسلوب ابن الأحمر أنه أورد القصيدة كلها.
فهل نسي ابن خلدون عدد أبيات قصيدته ، أو أن ابن الأحمر اختار منها بعض أبياتها وترك الباقي؟!.