العالي منها على أكثر الناس ، بخلاف المرسل ، فانفردت به يومئذ ، وكان مستغربا عندهم بين أهل الصناعة.
ثم أخذت نفسي بالشعر ، فانثال عليّ منه بحور ، توسّطت بين الإجادة والقصور ، وكان مما أنشدته إياه ، ليلة المولد النبويّ من سنة اثنتين وستين وسبعمائة :
أسرفن في هجري وفي تعذيبي |
|
وأطلن موقف عبرتي ونحيبي (١) |
وأبين يوم البين وقفة ساعة |
|
لوداع مشغوف الفؤاد (٢) كئيب |
لله عهد الظاعنين وغادروا |
|
قلبي رهين صبابة (٣) ووجيب(٤) |
غربت ركائبهم ودمعي سافح |
|
فشرقت بعدهم بماء غروب (٥) |
يا ناقعا بالعتب غلّة شوقهم (٦) |
|
رحماك في عذلي وفي تأنيبي |
يستعذب الصّبّ الملام وإنني |
|
ماء الملام لديّ غير شروب (٧) |
ما هاجني طرب ولا اعتاد الجوى |
|
لو لا تذكّر منزل وحبيب |
__________________
(١) النحيب : البكاء.
(٢) مشغوف الفؤاد : مريضه.
(٣) الصبابة : الشوق.
(٤) الوجيب : الاضطراب والخفقان.
(٥) الغروب : الدموع حين تخرج من العين.
(٦) نقع الماء غلته : أروى عطشه.
(٧) الشروب : الذي يشرب ، وفي الإحاطة : الشريب ؛ وهو العذب.