إلى الإجابة. واتفق رأي بني مرين على الانفضاض عن منصور ابن سليمان ، والدخول إلى البلد الجديدة ؛ فلما تمّ عقدهم على ذلك نزعت إلى السّلطان أبي سالم في طائفة من وجوه أهل الدولة ، كان منهم محمد بن عثمان بن الكاس ، المستبدّ بعد ذلك بملك المغرب على سلطانه ، وكان ذلك النزوع مبدأ حظّه ، وفاتحة رياسته ، بسعايتي له عند السّلطان ؛ فلما قدمت على السّلطان بالصّفيحة ، بما عندي من أخبار الدولة ، وما أجمعوا عليه من خلع منصور بن سليمان ، وبالموعد الذي ضربوه لذلك ، واستحثثته فارتحل ، ولقينا البشير بإجفال منصور ابن سليمان ، وفراره إلى نواحي بادس ، (١) ودخول بني مرين إلى البلد الجديد ، وإظهار الحسن ابن عمر دعوة السّلطان أبي سالم. ثم لقيتنا ، بالقصر الكبير ، (٢) قبائل السّلطان ، وعساكره ، على راياتهم ، ووزير منصور بن سليمان ، وهو مسعود بن رحّو بن ماساي ، فتلقّاه السّلطان بالكرامة كما يجب له ، واستوزره نائبا للحسن بن يوسف بن علي بن محمد الورتاجني السابق إلى وزارته ، لقيه بسبتة ، (٣) وقد غرّبه منصور ابن سليمان إلى الأندلس ، فاستوزره واستكفاه.
ولما اجتمعت العساكر عنده بالقصر ، صعد إلى فاس. ولقيه الحسن بن عمر بظاهرها ، فأعطاه طاعته ، ودخل إلى دار ملكه وأنا في ركابه ، لخمس عشرة ليلة من نزوعي إليه ، منتصف شعبان ستين وسبعمائة ، فرعى لي السابقة ، واستعملني في كتابة سرّه ، والترسيل عنه ، والإنشاء لمخاطباته ، وكان أكثرها يصدر عني بالكلام المرسل ، أن يشاركني أحد ممّن ينتحل الكتابة في الأسجاع ، لضعف انتحالها ، وخفاء
__________________
(١) بادس بكسر الدال ، ويقال «باديس» مدينة بالمغرب الأقصى على ساحل البحر الأبيض ، ويقال لها بادس فاس ، تمييزا لها عن بادس الزاب. ومكانها الآن عند مدينةVilla jordana بالمغرب الخليفي ، وتبعد نحو الغرب عن مدينة ٦١Vill Ahucemas كيلو مترا تقريبا ، ياقوت ٢ / ٢٩ ، تاج العروس ٤ / ١٠٦.
(٢) القصر الكبير ، ويسمّى قصر عبد الكريم : مدينة معروفة بالمغرب الأقصى بالمنطقة الخليفية ، تبعد عن ساحل المحيط الأطلسي بنحو ٣٦ كيلومترا.
(٣) في العبر ٧ / ٣٠٥ أنه لقيه بطنجة. وانظر تفصيل هذا الحديث في العبر أيضا ٧ / ٣٠٤ ـ ٣٠٦.