إلى أن انتقض الأمر على السّلطان بسببه. وثار الوزير عمر بن عبد الله بدار الملللك ، فصار إليه الناس ، ونبذوا السّلطان وبيعته ، وكان في ذلك هلاكه ، على ما ذكرناه في أخبارهم. (١)
ولما قام الوزير عمر بالأمر ، أقرّني على ما كنت عليه ، ووفّر إقطاعي ، وزاد في جرايتي ، وكنت أسمو ، بطغيان الشباب ، إلى أرفع مما كنت فيه ، وأدلّ في ذلك بسابقة مودّة معه ، منذ أيام السّلطان أبي عنان ، وصحابة استحكم عقدها بيني وبينه ، وبين الأمير أبي عبد الله صاحب بجاية ، فكان ثالث أثافينا ، ومصقلة فكاتنا. واشتدّت غيرة السّلطان لذلك كما مرّ ، وسطا بنا ، وتغافل عن عمر بن عبد الله لمكان أبيه من ثغر بجاية ، ثم حملني الإدلال عليه أيام سلطانه ، وما ارتكبه في حقّي من القصور بي عمّا أسمو إليه ، إلى أن هجرته ، وقعدت عن دار السّلطان ، مغاضبا له ، فتنكّر لي ، وأقطعني جانبا من الإعراض ، فطلبت الرّحلة إلى بلدي بإفريقية. وكان بنو عبد الواد قد راجعوا ملكهم بتلمسان ، والمغرب الأوسط ، فمنعني من ذلك ، أن يغتبط أبو حمّو صاحب تلمسان بمكاني ، فأقيم عنده. ولجّ في المنع من ذلك ، وأبيت أنا إلا الرّحلة ، واستجرت في ذلك برديفه وصديقه ، الوزير مسعود بن رحّو بن ماسائ ، ودخلت عليه يوم الفطر ، سنة ثلاث وستّين. فأنشدته :
هنيئا بصوم لا عداه قبول |
|
وبشرى بعيد أنت فيه منيل |
وهنّئتها من عزّة وسّعادة |
|
تتابع أعوام بها وفصول |
سقى الله دهرا أنت إنسان عينه |
|
ولا مسّ ربعا في حماك محول |
فعصرك ما بين الليالي مواسم |
|
لها غرر وضّاحة وحجول |
__________________
(١) انظر ذلك في العبر ٧ / ٣١٢ ـ ٣١٤.