زيد وإخوته من فاس ، ليستبدّوا بثغورهم ، ويخّذّلوا الناس عن السّلطان أبي الحسن ، فوصلوا إلى بلادهم ، وملكوها بعد أن كان الفضل ابن السّلطان أبي بكر قد استولى عليها من يد بني مرين ، فانتزعوها منه. واستقرّ أبو عبد الله ببجاية ، حتى إذا هلك السّلطان أبو الحسن بجبال المصامدة ، وزحف أبو عنان إلى تلمسان سنة ثلاث وخمسين ، فهزم ملوكها من بني عبد الواد ، وأبادهم ، ونزل المدية ، وأطلّ على بجاية. وبادر الأمير أبو عبد الله للقائه ، وشكا إليه ما يلقاه من زبون (١) الجند والعرب ، وقلّة الجباية. وخرج له عن ثغر بجاية فملكها ، وأنزل عمّاله بها. ونقل الأمير أبا عبد الله معه إلى المغرب ، فلم يزل عنده في حفاية (٢) وكرامة. ولما قدمت على السّلطان أبي عنان آخر خمس وخمسين واستخلصني ، نبضت عروق السّوابق بين سلفي وسلف الأمير أبي عبد الله ، واستدعاني للصّحابة فأسرعت ، وكان اللّطان أبو عنان شديد الغيرة من مثل ذلك. ثم كثر المنافسون ، ورفعوا إلى السّلطان ، وقد طرقه مرض أرجف له الناس ، فرفعوا له أن الأمير أبا عبد الله اعتزم على (٣) الفرار إلى بجاية ، وأنّي عاقدته على ذلك ، على أن يوليني حجابته ، فانبعث لها السّلطان ، وسطا بنا ، واعتقلني نحوا من سنتين إلى أن هلك. وجاء السّلطان أبو سالم ، واستولى على المغرب ، ووليت كتابة سرّه. ثم نهض إلى تلمسان ، وملكها من يد بني عبد الواد ، وأخرج منها أبا حمّو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن ، ثم اعتزم على الرجوع إلى فاس ، وولّى على تلمسان أبا زيّان محمد بن أبي سعيد عثمان بن السّلطان أبي تاشفين ، وأمدّه بالأموال والعساكر من أهل وطنه ، ليدافع أبا حمّو عن تلمسان ، ويكون خالصة له. وكان الأمير أبو عبد الله صاحب بجاية معه كما ذكرناه ، والأمير أبو العباس صاحب قسنطينة ، بعد أن كان بنو مرين حاصروا أخاه أبا زيد بقسنطينة أعواما تباعا. ثم خرج لبعض مذاهبه إلى بونة ، وترك أخاه أبا العبّاس بها ، فخلعه ، واستبدّ بالأمر دونه. وخرج إلى العساكر المجمّرة عليها من بني مرين ،
__________________
(١) يستعمل ابن خلدون الزبون اسما بمعنى الحرب.
(٢) الحفاية : المبالغة في الإكرام ، كالحفاوة.
(٣) اعتزم على الشيء : أراد فعله ، كعزم عليه.