النفس والولد ، فجهينة خبره (١) مؤدّي كتابي إليكم ، ناشئ تأديبي ، وثمرة تربيتي ، فسهّلوا له الإذن ، وألينوا له جانب النجوى ، (٢) حتى يؤدي ما عندي وما عندكم ، وخذوه بأعقاب الأحاديث أن يقف عند مبادئها ، وائتمنوه على ما تحدّثون ، فليس بظنين (٣) على السر.
وتشوّفي لما يرجع به إليكم سيدي وصديقي وصديقكم المغرب في المجد والفضل ، المساهم في الشدائد ، كبير المغرب ، وظهير الدولة ، أبو يحيى بن أبي مدين (٤) ـ كان الله له ـ في شأن الولد والمخلف ، تشوّف الصّديق لكم ، الضّنين (٥) على الأيام بقلامة الظّفر من ذات يدكم ، فأطلعوني طلع ذلك (٦) ولا يهمّكم ؛ فالفراق الواقع حسن ، والسّلطان كبير ، والأثر جميل ، والعدوّ الساعي قليل وحقير ، والنّية صالحة ، والعمل خالص ، ومن كان لله كان الله له.
واستطلاع الرياسة المزنية الكافلة ـ كافأ الله يدها البيضاء ـ عني وعنكم إلى مثله من أحوالكم استطلاع من يسترجح وزانكم ، ويشكر الزمان على ولاده (٧) لمثلكم.
وقد قررت لعلومه من مناقبكم ، وبعد شأوكم ، وغريب منحاكم ، ما شهدت به آثاركم الشائعة ، الخالدة في الرسائل المتأدّية ، وعلى ألسنة الصادر والوارد من الكافّة ،
__________________
(١) يشير إلى المثل : «عند جهينة الخبر اليقين». وفي مجمع الأمثال ١ / ٣٠٤ ، وتاج العروس «جفن» ، «جهن» شرح واف لمعنى هذا المثل.
(٢) النجوى : ما ينفرد به الجماعة ، والاثنان (من ديث) سرّا كان أو ظاهرا.
(٣) رجل ظنين : متهم. وهو ينظر إلى قول الله تعالى : [وما هو على الغيب بظنين] (آية ٢٤ من سورة التكوير) ، في قراءة أبي عمرو بن العلاء ، والكسائي ، وابن كثير. وانظر شرح الشاطبية لابن القاصح ص ٢٩٥.
(٤) هو أبو يحيى بن أبي مدين ، كان السّلطان عبد العزيز المريني. سفر عنه لإحضار أولاد ابن الخطيب من الأندلس إلى المغرب. وانظر العبر ٧ / ٣٣٥.
(٥) الضنين : البخيل.
(٦) يقال : أطلعته طلعي ؛ أي أبثثته سري.
(٧) الولاد ، بالكسر : الولادة.