مين ، وقرأنا منه وثيقة ودّ هضم فيها عن غريم الزمان دين ، ورأينا منه إنشاء ، خدم اليراع بين يديه وشاء ، واحتزم بهميان (١) عقدته مشّاء ، وسئل عن معانيه الاختراع فقال : «إنا أنشأناهن إنشاء» ، فأهلا به من عربي أبي يصف السانح والبانة ، (٢) ويبين فيحسن الإبانة ، أدى الأمانة ، وسئل عن حيّه فانتمى إلى كنانة ، (٣) وأفصح وهو لا ينبس ، (٤) وتهللت قسماته وليل حبه يعبس ، وكأن خاتمه المقفل على صوانه ، (٥) المتحف بباكر الورد في غير أوانه ، رعف من مسك عنوانه ، ولله من قلم دبّج تلك الحلل ، ونقع بمجاج (٦) الدواة المستمدّة من عين الحياة الغلل ، (٧) فلقد تخارق في الجود ، مقتديا بالخلافة التي خلد فخرها في الوجود ، فجاد بسرّ البيان ولبابه ، وسمح في سبيل الكرم حتى بماء شبابه ، وجمع لفرط بشاشته وفهامته ، بعد شهادة السيف بشهامته ، فمشى من الترحيب ، في الطّرس الرحيب ، على أمّ هامته.
وأكرم به من حكيم ، أفصح بملغوز (٨) الإكسير ، (٩) في اللفظ اليسير ، وشرح
__________________
(١) الهميان (بالكسر) : المنطقة ؛ والكلام على تشبيه القلم المتخذ من القصب ، وفي وسطه عقدة ، بالرجل قد اتخذ منطقة في وسطه.
(٢) السانح : ما أتاك من عن يمينك من ظبي أو طير ؛ وهو مما يتيمنون به. والبانة واحدة البان ؛ وهو شجر يسمو ويطول في استواء مثل نبات الأثل ، ويتخذ منه دهن.
(٣) كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، أبو القبيلة ؛ وهو الجد الرابع للرسول صلىاللهعليهوسلم.
(٤) ما نبس بكلمة : أي ما تكلم.
(٥) الصوان : ما تصون به الشيء.
(٦) مجاج الدواة : ما تمجه.
(٧) نقع الماء غلته : أروى عطشه.
(٨) كذا في الأصول. والصواب «ملغز» ، لأن فعله رباعي.
(٩) الإكسير : الكيمياء ، وهي كلمة مولدة. ولأهل الصنعة في الإكسير كلام مغلق طويل فيه العجب. ويطلقون الإكسير أيضا على «الحجر المكرم» ؛ وهو المادة التي تلقى على المواد حال ذوبانها ، فتحولها إلى ذهب أو فضة بزعمهم. وانظر تاج العروس (كسر) وشفاء الغليل ص ١٦.