بعام عمواسها. (١)
والحمد لله حمدا معادا يقيّد شوارد النّعم ، ويستدرّ مواهب الجود والكرم ويؤمّن من انتكاث الجدود (٢) وانتكاسها ، (٣) وليّ الآمال ومكاسها ، (٤) وخلافتكم هي المثابة التي يزهى الوجود بمحاسن مجدها ، زهو الرياض بوردها وآسها ، وتستمدّ أضواء الفضائل من مقباسها ، (٥) وتروي رواة الإفادة ، والإجادة غريب الوجادة ، (٦) عن ضحّاكها وعبّاسها. (٧) وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم ، وقد فعل ، وأنطق بحجج فخركم من احتفى وانتعل ، فإنّه وصلنا كتابكم الذي حسبناه ، على صنائع الله لنا ، تميمة (٨) لا تلقع (٩) بعدها عين ، وجعلناه ـ على حلل مواهبه ـ قلادة لا يحتاج معها زين ، ودعوناه من جيب الكنانة (١٠) آية بيضاء الكتابة ، لم يبق معها شكّ ولا
__________________
(١) عمواس ، بفتح العين والميم ، وبسكون الميم مع فتح العين أو كسرها : قرية بفلسطين بين الرملة وبيت المقدس. وفيها وقع الطاعون الذي كان في سنة ١٨ ه ، مات فيه كثير من الناس ، ويقال إنه أول طاعون كان في الإسلام. وانظر تاريخ الطبري ٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٣ ، معجم البكري ٣ / ٩٧١ ، ياقوت ٦ / ٢٢٥ ، تاج العروس (عمس).
(٢) انتكث : انصرف. والجد : الحظ والبخت ، والجمع : الجدود.
(٣) انتكس : انقلب على رأسه ، وخاب وخسر.
(٤) المكاس : المشاحة ، والمشاكسة.
(٥) أقبس فلان : أعطى نارا ، والمقباس : ما قبست به النار.
(٦) الوجادة (بالكسر) : أن تجد بخط غيرك شيئا ، فتقول عند الرواية : وجدت بخط فلان كذا ؛ وحينذاك يقال : «هذه رواية بالوجادة». وللمحدثين في كيفية التحديث عن طريق الوجادة ، ودرجة الثقة بها ، وشروطها ؛ تفصيل تجده في (فتح المغيث) للعراقي ٣ / ١٥ وما بعدها.
(٧) المسمون ب «الضحاك» ، و «عباس» من المحدثين كثير ، وليس يريد ابن الخطيب أحدا منهم بعينه ، وإنما يقصد إلى «الطباق» بين ضحاك ، وعباس.
(٨) التميمة : عوذة تعلق على الإنسان يتعوذ بها.
(٩) لقعة بعينه : أصابه بها ، ويقول أبو عبيدة : إن اللقع لم يسمع إلا في الإصابة بالعين.
(١٠) الكنانة : جعبة السهام تتخذ من جلود لا خشب فيها.