مناصحة بني صنهاج ، (١) وفضح بتخليد أمداحهم كلّ هاج.
وأعجب به ، وقد عزّز منه مثنى البيان بثالث ، فجلب سحر الأسماع ، واسترقاق الطباع ، بين مثان للإبداع ومثالث ، كيف اقتدر على هذا المحيد ، وناصح مع التثليث مقام التوحيد ، نستغفر الله وليّ العون ، على الصّمت والصون ، فالقلم هو الموحّد قبل الكون ، والمتّصف من صفات السّادة ، أولي العبادة ، بضمور الجسم وصفرة اللون ، إنما هي كرامة فاروقية ، وأثارة (٢) من حديث سارية (٣) وبقية ، سفر وجهها في الأعقاب ، بعد طول الانتقاب ، وتداول الأحقاب ، ولسان مناب ، عن كريم جناب ، وإصابة السهم لسواه محسوبة ، وإلى الرامي الذي سدّده منسوبة ، ولا تنكر على الغمام بارقة ، ولا على المتحقّقين بمقام التوحيد كرامة خارقة ، فما شاءه الفضل من غرائب برّ وجد ، ومحاريب خلق كريم ركع الشّكر فيها وسجد ، حديقة بيان استثارت نواسم الإبداع من مهبّها ، واستزارت غمائم الطباع من مصبّها ، فآتت أكلها مرتين بإذن ربّها ، لا. بل كتيبة عزّ طاعنت بقنا (٤) الألفات سطورها ، فلا يرومها النقد ولا يطورها ، (٥) ونزعت عن قسي النونات خطوطها ، واصطفت من بياض الطّرس ، وسواد النّقس ، بلق (٦) تحوطها.
__________________
(١) تحدّث ابن خلدون عن الدولة الصنهاجية في المغرب ـ في العبر ٦ / ١٥٢ ـ ١٦٢.
(٢) الأثارة : البقية.
(٣) يشير إلى قصة سارية بن زنيم بن عمر بن عبد الله بن جابر الكناني أمير الجيش الإسلامي في وقعة «نهاوند» ؛ فقد كمن له العدو في جبل ، ولم يكن قد علم به ، فناداه عمر رضى الله عنه من فوق المنبر بالمدينة يحذره : «يا سارية الجبل الجبل!» ، فسمع سارية صوت عمر. وهي كرامة ذكروها للفاروق رضى الله عنه. انظر رسالة القشيرى ص ١٨٧ طبع بولاق سنة ١٢٨٧ ه ، تاج العروس (سرى).
(٤) جمع قناة ؛ وهي الرمح.
(٥) لا يطور : لا يحوم حولها.
(٦) الطرس : الورق. والنقس : الحبر. وبلق : جمع أبلق ، أو بلقاء ؛ وهي الخيول التي في لونها سواد وبياض.