النحور ، وتزيّنت الحور. وتبع هذه الأم بنات شهيرة ، وبقع للزّرع والضّرع خيره ، (١) فشفي الثّغر من بؤسه ، وتهلّل وجه الإسلام بتلك الناحية الناجية بعد عبوسه.
ثم أعملنا الحركة إلى مدينة إطريرة ، على بعد المدى ، وتغلغلها في بلاد العدا ، واقتحام هول الفلا وغول الرّدى ؛ مدينة تبنّتها حمص (٢) فأوسعت الدار ، وأغلت الشّوار ، (٣) وراعت الاستكثار ، وبسطت الاعتمار ، (٤) رجّح لدينا قصدها على البعد ، والطريق الجعد ، ما آسفت (٥) به المسلمين من استئصال طائفة من أسراهم ، مرّوا بها آمنين ، وبطائرها المشؤوم متيمّنين ، قد أنهكهم (٦) الاعتقال ، والقيود الثقال ، وأضرعهم الإسار وجلّلهم الانكسار ، فجدّلوهم (٧) في مصرع واحد ، وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد ، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد ، (٨) وترة الماجد ، (٩) فكبسناها كبسا ، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى ، وصبّحتها الخيل ، ثم تلاحق الرجل لمّا جنّ الليل ، وحاق بها الويل ، فأبيح منها الذّمار ، (١٠)
__________________
(١) الخيره : المختار من كل شيء ؛ يريد : بقاع مختارة للزرع والضرع.
(٢) يريد إشبيلية ؛ سماها حمص جند بني أمية الذي نزل بها حين جاء من حمص الشام وقد فعلوا ذلك في كثير من مدن الأندلس. وانظر ياقوت ٣ / ٣٤٢.
(٣) الشوار : متاع البيت ؛ ويريد به ما تعارف عليه الفقهاء ، مما يشترى من الصداق الذي يدفعه الزوج ، وتجهز به الزوجة من حلي ، وغطاء ، ووطاء الخ ؛ ذلك لأنه جعل «حمص» أمّا لإطريرة قد زوجتها وجهزتها ، فتغالت ـ لما في الأم من حب لابنتها ـ في هذا الجهاز الخ. فجاء بالألفاظ الفقهية بمعانيها التي اصطلحوا عليها. وانظر شرح تحفة الحكام ١ / ٣٢٦.
(٤) يريد بالاعتمار : الاستعمار ، والاستغلال.
(٥) آسفت : أغضبت ؛ والمعنى متصل بالآية : [فلما آسفونا انتقمنا منهم].
(٦) أنهكهم : أجهدهم ، وأضناهم.
(٧) فجدّلوهم : صرعوهم.
(٨) الثكل : فقد المرأة ولدها ، وفقد الرجل ولده أيضا. والواجد : الحزين.
(٩) الترة : الذحل والثأر. والماجد : الكريم ، ومن له آباء متقدمون في الشرف.
(١٠) الذمار : ما وراء الرجل مما يحق له أن يحميه. والدمار (بالمهملة) : الهلاك.