لمشروعه ولدأبه وإخلاصه العلمي ، لا سيما من خصّهم بالشّكر في مقدّمته ، وهم طه حسين وأحمد أمين ، وأمين الخولي ، وهؤلاء العلماء الثّلاثة يعترف لهم ابن تاويت بالفضل في رعاية العمل وإسداء النّصح ، وإبداء الملاحظات القيّمة التي عادت بفوائد جمّة على العمل في تحقيق هذه الرّحلة ، لتخرج بالصورة التي جاءت عليها.
تجدر الإشارة إلى أننا اعتمدنا في إخراج هذه الطبعة على الطبعة اليتيمة من الكتاب المنشورة سنة ١٩٥١ في دار المعارف في القاهرة ، وألحقنا بها ما أورده المستشرق الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي عن الرّحلة وصاحبها ، لما في ذلك من فائدة علميّة تضيء هذا الجانب من آثار ابن خلدون. وحاولنا في تحرير هذه الطبعة تخليصها من كل ما ورد من أخطاء الطبعة الأولى ، وهي في غالبيّتها طباعيّة ، وحافظنا على الصّيغة التي خلص إليها ابن تاويت ، وقد قارنّاها بأصولها كما وردت في ذيل كتاب «العبر» ، كلّما جدّ سبب ، وهو ما جعلنا نقف في كل مرّة على طبيعة الفروق والخيارات التي لجأ إليها المحقّق ، عند ما كان يضطر إلى الاختيار بين لفظة أو تعبير هنا ، وغيرهما هناك ، في النّسخ المختلفة للكتاب ، ما يجعلنا متأكّدين من القيمة الاستثنائيّة لهذا العمل في صيغته الأخيرة.
ومما يحسن ذكره ، هنا ، أخيرا ، أنني كنت قرأت هذه الرحلة ، كغيري ، في ذيل كتاب «العبر» بصفتها جزءا منه ، وإن كانت له بنيته الخاصة وقوامه المستقل ، كما أسلفنا في هذا التمهيد ، ولم أعلم بتحقيق ابن تاويت إلا متأخرا ، خلال إحدى زياراتي إلى المغرب ، وقد أدهشني أن هذه الطبعة الصادرة في القاهرة ، والتي عثرت عليها في مكتبة صغيرة في الدار البيضاء ، كانت نسخة من طبعة يتيمة تكاد تكون مجهولة في المشرق العربي. ولعل نفادها وعدم قيام أحد بطبعها ثانية ، هما ما جعلها خارج التداول ، وأدخلها في ليل النسيان.
نوري الجرّاح
أبو ظبي في ١١ / سبتمبر ٢٠٠٢