القدامى ذكر أمكنة مرّ بها لم تعد تحمل الأسماء نفسها. فعمد المحقق في مرات عديدة إلى ذكر الاسم العربي للمكان إلى جانب اسمه بالحروف اللاتينيّة ، كما يرد في المصوّرات الجغرافيّة ، ووضع إزاءه موقع المكان على خطي الطّول والعرض ، محدّدا بالدرجات والدقائق. وقد لجأ المحقّق إلى ذلك رغبة منه في أن يترك أوضح صورة ممكنة للمكان في ذهن القارئ.
ولا يهمل المحقّق أن يشير إلى عجزه مرّات عن تحديد بعض أمكنة الرّحلة ، على رغم أن أكثر هذه الأماكن أمكن تحديدها بحيث لم يعد من العسير على قارئ اليوم الاهتداء إليها عن طريق المصوّرات الجغرافيّة العصريّة.
IX
يعتقد ابن تاويت أن الصورة التي رسمها ابن خلدون لنفسه لم ترق لمعاصريه من مشارقة مصر «فصنعوا له صورة تختلف عمّا قاله عن نفسه أشدّ الاختلاف».
انطلاقا من هذا الاكتشاف في الفرق بين الصورتين المكتوبة بقلمه ، وتلك التي رسمت له من جانب أهل مصر الذين حلّ ابن خلدون في ظهرانيهم ، وتسلّم مناصب عليا لديهم ، أخذ المحقّق على عاتقه مهمّة فحص الفرق ، معتبرا أن هناك حاجة ملحّة «إلى نوع من العناية خاص ، يقصد فيه الوقوف عند مواطن الاختلاف هذه ، التي اعتبرت في ما بعد منافذ واسعة تسرّبت منها ألوان من النّقد شملت الكثير من نواحي حياة ابن خلدون ، بل كادت ـ بما اتّسعت ـ أن تمسّ الثّقة بما يرويه.». ويضيف ابن تاويت : «لذلك عرضت ما يقوله ابن خلدون في هذا الكتاب ، على كتب أخرى تناولت الموضوع نفسه بالحديث ، وأثبتّ نصّها من غير تصرّف فيه ليؤيّد رواية ابن خلدون أو ينقضها ، وبذلك أصبح مصدر الحكم لابن خلدون أو عليه غير بعيد عن متناول النّاقد النّزيه.». وفي هذا السياق نشير إلى أغناطيوس كراتشكوفسكي الذي يشكك بالقيمة العلمية لآراء ابن خلدون في الاجتماع ، وضعف ملاحظاته الجغرافية.
والأرجح أنّ نزاهة المحقق وإنصافه الحقيقة في عمله على هذا النص لقيا كل تقدير من جانب أساتذته وأصدقائه من كبار العلماء والكتاب في مصر ، الذين تحمسوا