الوطن على الوطر ، فرأينا أن نروضها بالاجتثاث (١) والانتساف ، (٢) ونوالي على زروعها وربوعها كرات رياح الاعتساف ، حتى يتهيّأ للإسلام لوك طعمتها ، ويتهنّا بفضل الله إرث نعمتها ، ثم كانت من موقفها الإفاضة (٣) من بعد نحر النحور ، وقذف جمار الدمار على العدو المدحور ، وتدافعت خلفنا السّيّقات (٤) المتّسقات تدافع أمواج البحور.
وبعد أن ألححنا على جنّاتها المصحرة ، (٥) وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم ، (٦) وعوّضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم ، وطاف عليها طائف من ربّنا فأصبحت كالصّريم ، (٧) وأغرينا حلاق (٨) النّار بجمم الجميم ، (٩) وراكمنا في أحواف أجرافها (١٠) غمائم الدخان ، يذكر طيبه البان بيوم الغميم ، (١١) وأرسلنا رياح الغارات (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) ، (١٢) واستقبلنا
__________________
(١) الاجتثاث : انتزاع الشجر من أصوله.
(٢) انتساف الزرع : اقتلاعه.
(٣) الإفاضة : الدفع في السير بكثرة ؛ ولا يكون إلا عن تفرق جمع. وفي «الإفاضة» و «النحر» ، و «رمي الجمار» تورية واضحة بالمعاني الإسلامية المتعارفة في باب «الحج».
(٤) السيقات : ما استاقه العدو من الدواب ، ويقال لما سيق من النهب فطرد ، سيقة.
(٥) المتسعة ؛ يقال أصحر المكان : أي اتسع.
(٦) الغريم : الذي له الدّين.
(٧) الصريم : الليل ، وأصبحت كالصريم : احترقت وصارت في مثل سواده ؛ والإشارة إلى الآية (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ).
(٨) حلاق الشعر : إزالته الموسى. والكلام على تشبيه إحراق النبات بحلق شعر الرأس.
(٩) الجمم : جمع جمة ؛ وهي الشعر الكثير. والجميم نبت يطول حتى يصير مثل جمة الشعر.
(١٠) الأحواف ، جمع حوف وهو الناحية. والأجراف جمع جرف ؛ وهو ما أكل السيل من أسفل شق الوادي ، وعرض الجبل. ويريد الأمكنة الغائرة ، والمطمئنة.
(١١) الغميم : موضع بين مكة والمدينة. ويوم الغميم : من الأيام التي كانت بين كنانة وخزاعة وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٣٤ ـ ٣٥.
(١٢) الرميم : البالي. الآية (٤٢) من سورة الذاريات.