الوادي يهول مدّا ، ويروع سيفه الصقيل حدّا ، فيسّره الله من بعد الإعواز ، وانطلقت على الفرصة بتلك الفرضة أيدي الانتهاز ، وسألنا من سائله أسد بن الفرات (١) فأفتى برجحان الجواز ، فعمّ الاكتساح والاستباح جميع الأحواز (٢) فأذيل (٣) المصون ، وانتهبت القرى ، وهدّت الحصون ، واجتثّت الأصول ، وحطّمت الغصون ، ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصابحها بالبوس ، وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس ، فهي الآن مجرى السّوابق ومجرّ العوالي ، (٤) على التوالي ، والحسرات تتجدّد في أطلالها البوالي ، وكأنّ بها قد ضرعت ، وإلى الدعوة المحمّديّة أسرعت ، بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدّعت ، (٥) وعزّة من أذعنت الجبابرة لعزّه وخضعت ، وعدنا والبنود لا يعرف اللفّ نشرها ، والوجوه المجاهدة لا يخالط التّقطيب بشرها ، والأيدي بالعروة الوثقى متعلّقه ، والألسن بشكر نعم الله منطلقه ، والسيوف في مضاجع الغمود قلقه ، وسرابيل الدّروع (٦) خلقه ، (٧) والجياد من ردّها إلى المرابط والأواري ، (٨) ردّ العواري ، حنقه ، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة ، تنظر إلينا نظر العاتب ، وتعود من ميادين الاختيال والمراح ،
__________________
(١) يورى بأسد بن الفرات بن سنان : أبي عبد الله الفقيه المالكي المشهور (١٤٥ ـ ٢١٣) على خلاف في المولد والوفاة. وانظر ترتيب المدارك مخطوطة دار الكتب ١ / ١١٨ ، معالم الإيمان ٢ / ٢ ـ ١٧ ، ديباح ٩٨.
(٢) الأحواز : ضواحي المدينة وأطرافها.
(٣) أذيل : أهين.
(٤) أجرّه المرح : طعنه بد وتركه فيه يجرّه والعالية : أعلى القناة ، والجمع : العوالي. ومجرّ العوالي :
المكان الذي يقع فيه الإجرار والطعن.
(٥) اقتباس من الآية ٢١ من سورة الحشر.
(٦) السرابيل : الدروع ، وكل ما لبس فهو سربال.
(٧) الخلق : البالي ؛ بقال ثوب خلق ، وجبة خلق بالتذكير فيهما ، وأنكر الكسائي أن تكون العرب قالت «خلقة» ، وعن التهذيب أنه لا يجوز أن يقال ذلك. وانظر اللسان.
(٨) الأواري : جمع آري ؛ وهو مربط الدابة ومحبسها.