والله ـ عزوجل ـ يتولّى عنّا من شكركم المحتوم ، ما قصّر المكتوب منه عن المكتوم ، ويبقيكم لإقامة الرّسوم ، ويحلّ محبّتكم من القلوب محلّ الأرواح من الجسوم ، وهو سبحانه يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، ويوالي نعمه عندكم.
والسلام الكريم ، الطيّب الزكي المبارك البرّ العميم ، يخصّكم كثيرا أثيرا ، ما أطلع الصّبح وجها منيرا ، بعد أن أرسل النّسيم سفيرا ، وكان الوميض (١) الباسم لأكواس الغمائم ، (٢) على أزهار الكمائم ، (٣) مديرا ؛ ورحمة الله وبركاته.
وكتب إليّ يهنّئني بمولود ، ويعاتب على تأخير الخبر بولاده عنه (٤) :
هنيئا أبا الفضل الرضا وأبا زيد |
|
وأمّنت من بغي يخاف ومن كيد |
بطالع يمن طال في السعد شأوه (٥) |
|
فما هو من عمرو الرّجال ولا زيد |
وقيّد بشكر الله أنعمه التي |
|
أوابدها (٦) تأبى سوى الشكر من قيد |
أهلا بدرّيّ المكاتب ، (٧) وصدريّ المراتب ، وعتبى الزّمن (٨) العاتب (٩)
__________________
(١) الوميض : اللامع من البرق لمعا خفيا.
(٢) شبه القطرات من الماء تنثرها الغمائم على الزهور ، بكؤوس الخمر تدار على الشاربين.
(٣) الكمائم : جمع كمامة ، وهي غطاء النّور وبرعومته.
(٤) قدم لها ابن الخطيب في ريحانة الكتاب (ورقة ١٨٢ أمن ٨٥ ش أدب) بقوله : ومن ذلك في مخاطبة صاحب قلم الإنشاء أبي زيد ابن خلدون.
(٥) الشأو : الشوط والغاية.
(٦) جمع آبدة ، وهي في الأصل البهيمة توحشت ، ونفرت من الأنس.
(٧) كوكب دري : ثاقب شديد الإنارة ، عظيم المقدار.
(٨) أعتبه : أزال عتبه ؛ والعتبى : اسم من الإعتاب. وفي المثل : «لك العتبى ولا أعود». أي لك مني أن أرضيك ؛ يقوله التائب المعتذر. وانظر مجمع الأمثال ٢ / ١٠٢.
(٩) الزمن العاتب : الغاضب.