وقلنا : البركة في قدم الوارد ، وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت ، والتماثيل (١) فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها (٢) الله ـ بمحاولتنا ـ الطيّب من الخبيث ، والتّوحيد في التّثليث ، وعاد إليها الإسلام عود الأب الغائب ، إلى البنات الحبائب ، يسأل عن شؤونها ، ويمسح دموع الرّقّة من جفونها ، وهي للروم خطّة خسف (٣) قلّما ارتكبوها فيما نعلم من العهود ، ونادرة من نوادر الوجود. والى الله علينا وعليكم عوارف (٤) الجود ، وجعلنا في محاريب الشكر من الرّكّع السّجود.
عرّفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير ، ويمن من الله وتيسير ، إذ استيفاء الجزئيّات عسير لنسرّكم بما منح الله دينكم ، ونتوّج بعزّ الملّة الحنيفية جبينكم ، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم ، فإنّ دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض ، وكفيل بالمواهب المسؤولة من المنعم الوهّاب متقاض ، (٥) وأنتم أولى من ساهم في برّ ، وعاقل الله بخلوص سرّ ، وأين يذهب الفضل عن بيتكم ، وهو صفة حيّكم ، وتراث ميتكم ، ولكم مزية القدم ، ورسوخ القدم ، والخلافة مقرّها إيوانكم ، وأصحاب الإمام مالك ـ رضياللهعنه ـ مستقرّها قيروانكم ، وهجّير المنابر (٦) ذكر إمامكم ، والتّوحيد إعلام أعلامكم ، والوقائع الشّهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم ، والصّحابة الكرام فتحة أوطانكم ، وسلالة الفاروق عليهالسلام وشائج سلطانكم (٧) ؛ ونحن نستكثر من بركة خطابكم ، ووصلة جنابكم ، ولو لا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم.
__________________
(١) التماثيل : الأصنام.
(٢) أدالها الله : أبدلها.
(٣) الخطة : الطريقة. والخسف : الذل ، وتحميل الإنسان ما يكره.
(٤) العوارف : جمع عارفة ، وهي العطية.
(٥) تقاضاه الدين : قبضه منه.
(٦) هجيرا المنابر : شأنها ودأبها.
(٧) يريد أن الحفصيين من سلالة الفاروق عمر بن الخطاب رضياللهعنه ؛ وقد رأى بعض المؤرخين ذلك. وتقدم في حاشية سابقة إيماء إلى هذا.