من الفقهاء والكتّاب ، والجند ، وأذن للنّاس جميعا في مباكرة أبواب السّلطانين من غير نكير في ذلك ، فكنت أباكرهما معا. وكان بيني وبين الوزير محمد بن عثمان ما مرّ ذكره قبل هذا ، فكان يظهر لي رعاية ذلك ، ويكثر من المواعيد ، وكان الأمير عبد الرحمن يميل إليّ ويستدعيني أكثر أوقاته يشاورني في أحواله ؛ فغصّ بذلك الوزير محمّد بن عثمان ، وأغرى سلطانه فقبض عليّ ، وسمع الأمير عبد الرحمن بذلك ، وعلم أنّي إنّما أوتيت من جرّاه ، فحلف ليقوّضنّ خيامه ، وبعث وزيره مسعود بن ماساي لذلك ، فأطلقوني من الغد ، ثم كان افتراقهما لثالثه. ودخل السّلطان أبو العبّاس دار الملك ، وسار الأمير عبد الرحمن إلى مرّاكش ، وكنت أنا يومئذ مستوحشا ، فصحبت الأمير عبد الرحمن معتزما على الإجازة إلى الأندلس من ساحل أسفي ، (١) معوّلا في ذلك على صحابة الوزير مسعود بن ماساي لهواي فيه ، فلمّا رجع مسعود انثنى عزمي في ذلك ، ولحقنا بونزمار بن عريف بمكانه من نواحي كرسيف (٢) لنقدّمه وسيلة إلى السّلطان أبي العبّاس ، صاحب فاس في الجواز إلى الأندلس ، ووافينا عنده داعي السّلطان فصحبناه إلى فاس ، واستأذنه في شأني ، فأذن لي بعد مطاولة ، وعلى كره من الوزير محمّد بن عثمان ، وسليمان بن
__________________
(١) أسفي Safi) عرضها الشمالي ٣٢ ـ ١٤ ، وطولها الغربي ٩ ـ ١٥) : مدينة في المغرب الأقصى ، تقع على ساحل المحيط ، بينها وبين مراكش ١٥٤ كيلومترا نحو الشمال الغربي. وقد ضبطها ابن خلدون بالحركات بهمزة مفتوح بعدها سين كذلك ، ثم فاء مكسورة بعدها ياء ؛ وهو الضبط الذي ذكره ياقوت بالكلمات ١ / ٢٣٢.
(٢) كرسيف Guercif) عرضها الشمالي ٣٤ ـ ١٢ ، وطولها الغربي ٥) : مدينة واقعة على نهر ملوية ، في الشرق من مدينة تازا على بعد ٦٨ كيلومترا تقريبا ، ويمر بها الخط الحديدي الذي يصلها بمدينة تاوريرت Taourirt ، ثم بمدينة وجدةOujda.