خلدون ، فاستعنت بالله على إخراجه كاملا إلى حيّز الوجود (١).
وأخذت أتمثّل المنهج الذي يجب أن أتبعه في تحقيقه ونشره بين الناس ، ولم يلبث أن وضحت معالمه مجملة في كلمات : «أن يخرج النصّ كما أراده مؤلفه أن يكون» ؛ كلمات خفيفة الوقع على الألسن ، ولكنها عند وزنها في ثقل الجبال.
وكان البحث عن أصول الكتاب المخطوطة ، وصلتها بالمؤلف من أولى خطوات تحقيق هذا المنهج ، والذي أقصده بهذه الصلة ، أن تكون النسخة مخطوطة المؤلف ، أو مقروءة عليه تحمل دليلا على هذه القراءة ، أو مكتوبة عن نسخته مباشرة أو بواسطة معارضة عليها إلخ.
وليس تحقيق هذه الصّلة بالأمر اليسير الهيّن ، فالزمان ـ بحوادثه ـ قد ألحق بالجمهرة من عيون هذا التراث الإسلامي ما لا نجهله من ألوان التبديد والإفناء ، ولكن الله الكريم شاء أن لا تضيع مني في هذا السبيل الخطوات ؛ فقد أخطأت عين الزمان ـ وهو الحديد البصر ـ نسختين من هذا الكتاب ، كلتاهما كانت نسخة المؤلف ، وحفظت المكتبات المختلفة نسخا عديدة منه ومختلفة ، وبفضل ذلك استطعت أن أخرج الكتاب معتمدا على المجموعة التالية منها.
نسخ الكتاب واختلافها :
والكتاب يقع في آخر كتاب : «العبر» ، وقد عرف عن ابن خلدون أنه كانت تصدر عنه نسخ من كتابه ما بين الحين والحين ؛ يهديها إلى الملوك والوزراء تارة ، ويأخذها عنه الطلبة الدارسون تارة أخرى.
فلقد أهدى ـ وهو بالمغرب ـ النسخة الأولى من كتابه لأبي العباس الحفصي ملك تونس (٢) ، وحينما رحل إلى مصر أهدى نسخة أخرى إلى الملك الظاهر برقوق (فيما
__________________
(١) طبع القسم الكبير من هذا الكتاب مرتين : الأولى بآخر كتاب «العبر» وذلك في سنة ١٢٨٤ بمطبعة بولاق ، والثانية على حاشية «المقدمة» بالمطبعة الخيرية بمصر سنة ١٣٢٢ ه.
(٢) انظر ص ٢٤٠ من هذا الكتاب.