وأسلة (١) اليراع تخضب مفارق الطّروس بنجيع الحبر المراق ، وغيرك من تركض في مخاطبته جياد اليراع ، في مجال الرقاع ، مستولية على أمد الإبداع والاختراع ؛ إنّما هو بثّ يبكى ، وفراق يشكى ، فيعلم الله حرصي على أن أشافه عن أنبائك ثغور البروق البواسم ، وأن أحملك الرّسائل حتى مع سفراء النواسم ، وأن أجتلي غرر ذلك الجبين في محيّا الشارق ، (٢) ولمح البارق.
ولقد وجّهت لك جملة من الكتب والقصائد ، ولا كالقصيدة الفريدة في تأبين الجواهر التي استأثر بهنّ البحر ، قدّس الله أرواحهم ، وأعظم أجرك فيهم ، فإنّها أنافت على مائة وخمسين بيتا ، ولا أدري هل بلغكم ذلك أم غاله الضيّاع ، وغدر وصوله بعد المسافة ، والذي يطرق لي سوء الظّنّ بذلك ، ما صدر في مقابله منكم. فإنّي على علم من كرم قصدكم ، وحسن عهدكم.
ومن حين استقلّ نيّركم بذلك الأفق الشرقيّ ، لم يصلني منكم كتاب ، مع علمي بضياع اثنين منها بهذا الأفق الغربي. انتهى.
وفي الكتاب إشارة إلى أنّه بعث قصيدة في مدح الملك الظّاهر صاحب مصر ، ويطلب منّي رفعها إلى السّلطان ، وعرضها عليه بحسب الإمكان ، وهي على رويّ الهمزة ، ومطلعها :
أمدامع منهلّة أم لؤلؤ |
|
لمّا استهلّ العارض المتلألئ |
وبعثها في طيّ الكتاب ، واعتذر بأنّه استناب في نسخها ، فكتبت همزة رويّها ألفا ، قال وحقّها أن تكتب بالواو ، لأنّها تبدل بالواو ، وتسهّل بين الهمزة والواو ، وحرف الإطلاق أيضا يسوقها واوا. هذا مقتضى الصناعة ، وإن قال بعض الشيوخ تكتب ألفا على كل حال ، على لغة من لا يسهّل ، لكنّه ليس بشيء.
وأذن لي في نسخ القصيدة المذكورة بالخطّ المشرقيّ لتسهل قراءتها عليهم ففعلت ذلك ، ورفعت النسخة والأصل للسّلطان ، وقرأها كاتب سرّه عليه ، ولم يرجع إليّ
__________________
(١) أسلة اللسان : طرف شباته إلى مستدقّه. وأسلة النصل : مستدقه.
(٢) الشارق : الشمس ؛ وبه فسّر الأهري قولهم : «لا آتيك ماذر شارق».