منهما شيء ، ولم أستجز أن أنسخها قبل رفعها إلى السّلطان ، فضاعت من يدي.
وكان في الكتاب فصل عرّفني فيه بشأن الوزير مسعود بن رحّو المستبدّ بأمر المغرب لذلك العهد ، وما جاء به من الانتقاض عليهم ، والكفران لصنيعهم ، يقول فيه :
كان مسعود بن رحّو الذي أقام بالأندلس عشرين عاما يتبنّك النّعيم ، (١) ويقود الدنيا ، ويتخيّر العيش والجاه ، قد أجيز صحبة ولد أبي عنان ، كما تعرّفتم من نسخة كتاب أنشأته بجبل الفتح لأهل الحضرة ، فاستولى على المملكة ، وحصل على الدنيا ، وانفرد برياسة دار المغرب ، لضعف السّلطان رحمهالله ، ولم يكن إلا أن كفرت الحقوق ، وحنظلت (٢) نخلته السّحوق ، (٣) وشفّ (٤) على سواد جلدته العقوق ، (٥) وداخل من بسبتة ، فانتقضت طاعة أهلها ، وظنّوا أن القصبة لا تثبت لهم ، وكان قائدها الشيخ البهمة ، فلّ الحصار وحلي القتال ، ومحشّ الحرب ، أبو زكرياء بن شعيب ، فثبت للصدمة ، ونوّر للأندلس (٦) فبادره المدد من الجبل ، ومن مالقة. وتوالت الأمداد ، وخاف أهل البلد ، وراجع شرفاؤه ، ودخلوا القصبة. واستغاث أهل البلد بمن جاورهم وجاءهم المدد أيضا. دخل الصالحون في رغبة هذا المقام ، ورفع القتال. وفي أثناء ذلك غدروا ثانية ، فاستدعى الحال إجازة السّلطان المخلوع أبي العباس (٧) لتبادر القصبة به ، ويتوجّه منها إلى المغرب ، لرغبة
__________________
(١) تبنّك في النعيم : أقام به ، وتمكن.
(٢) حظلت النخلة : فسدت أصول سعفها. وفي الأصول «حنظلت» ، وهي لغة أنكرتها جمهرتهم.
وانظر تاج العروس «حنظل» ٧ / ٣٩٢ ، ٣٩٣.
(٣) نخلة سحوق : طويلة.
(٤) شف : وضح وظهر.
(٥) انظر خبر تمرده على ابن الأحمر في الاستقصا ٢ / ١٣٨ وما بعدها.
(٦) نوّر : أضاء ؛ ويريد أو قد نار الاستغاثة ، وطلب النجدة.
(٧) هو السّلطان أبو العباس بن أبي سالم. وانظر أسباب خلعه ، وعودته إلى الملك في العبر ٧ / ٣٤٩ ٣٥٤ ، الاستقصا ٣ / ١٣٩.