المنذرين لعباده ، (١) فدعا إلى الله على بصيرة بصادق جداله وجلاده (٢) وأنزل عليه النصر العزيز ، وكانت ملائكة السّماء من إمداده ، حتى ظهر نور الله على رغم من رغم. (٣) بإطفائه وإخماده ، وكمل الدين الحنيف فلا تخشى والحمد لله غائلة انقطاعه ولا نفاده ، ثم أعدّ له من الكرامات ما أعدّ في معاده ، وفضّله بالمقام المحمود في عرصات القيامة بين أشهاده ، وجعل له الشّفاعة فيمن انتظم في أمّته ، واعتصم بمقاده.
والرّضى عن آله وأصحابه ، غيوث رحمته ، وليوث إنجاده ، من ذوي رحمه الطّاهرة وأهل وداده المتزوّدين بالتّقوى من خير أزواده ، والمراغمين بسيوفهم من جاهر بمكابرة الحقّ وعناده ، وأراد في الدّين بظلمه وإلحاده ، حتى استقام الميسم (٤) في دين الله وبلاده ، وانتظمت دعوة الإسلام أقطار العالم ، وشعوب الأنام ، من عربه وعجمه وفارسه ورومه وتركه وأكراده. صلّى الله عليه وعليهم صلاة تؤذن باتصال الخير واعتياده ، وتؤهّل لاقتناء الثّواب وزياده ، وسلّم كثيرا ، وعن الأئمّة الأربعة ، (٥) علماء السنّة المتّبعة ، والفئة المجتباة المصطنعة ، وعن إمامنا من بينهم الذي حمل الشريعة وبيّنها ، وحرّر مقاصدها الشريفة وعيّنها ، وتعرّض في الآفاق منها والمطالع ، بين شهبها اللّوامع ، فزيّنها ، نكتة الهداية إذا حقّق مناطها ، وشرط التحصيل والدراية
__________________
(١) يشير كذلك إلى الآيتين ١٩٣ ، ١٩٤ من سورة الشعراء : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).
(٢) الجلاد : الجهاد.
(٣) على رغم من رغم : من أساء ؛ والإشارة إلى الآية ٣٢ من سورة التوبة : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ).
(٤) الميسم : الجمال. والمعنى غير ملتئم ، والصواب أن الكلمة (المنسم) بالنون ؛ ومعنى الكلام : استقام الطريق ، ووضحت معالمه ؛ جاء في اللسان : استقام المنسم : تبيّن الطريق.
(٥) هم المجتهدون أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة : مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل.