إذا روعيت أشراطها ، وقصد الرّكاب إذا ضربت في طلب العلم آباطها ، (١) عالم المدينة وإمام هذه الأمّة الأمينة ، ومقبس أنوار النبوّة من مشكاتها المبينة ، الإمام مالك بن أنس ، ألحقه الله برضوانه ، وعرّفنا بركة الاقتداء بهديه وعرفانه ، وعن سلف المؤمنين والمهتدين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد فإنّ الخلق عيال الله يكنفهم بلطفه ورحمته ، ويكفلهم بفضله ونعمته ، وييسّرهم لأسباب السعادة بآداب دينه وشرعته ، ويحملهم في العناية بأمورهم ، والرّعاية لجمهورهم ، على مناهج سنّته ولطائف حكمته. ولذلك اختار لهم الملوك الذين جبلهم على العدل وفطرته ، وهداهم إلى التمسّك بكلمته. ثم فضّلهم بما خوّلهم من سعة الرّزق وبسطته ، واشتقاق التمكين في الأرض من قدرته ، فتسابقوا بالخيرات إلى جزائه ومثوبته ، وذهبوا بالدرجات العلى في وفور الأجر ومزيّته.
وإنّ مولانا السّلطان الملك الظاهر ، العزيز القاهر ، العادل الطاهر ، القائم بأمور الإسلام عندما أعيا حملها الأكتاد ، (٢) وقطب دائرة الملك الذي أطلع الله من حاشيته الأبدال (٣) وأنبت الأوتاد ، (٤) ومنفّق أسواق العزّ بما بذل فيها من جميل نظره المدخور والعتاد ، رحمة الله الكافلة للخلق ، ويداه المبسوطتان بالأجل والرّزق ، وظلّه الواقي للعباد بما اكتنفهم من العدل والحقّ ، قاصم الجبابرة ، والمعفّي على آثار الأعاظم من القياصرة ، وذوي التّيجان من التبابعة والأكاسرة ، أولي
__________________
(١) يشير إلى الحديث : «تضرب أكباد الإبل في طلب العلم ، فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة» ، وسيأتي له بعد.
(٢) جمع كتد ؛ وهو مجمع الكتفين من الإنسان.
(٣) يورّي بالأبدال في مصطلح الصوفية ، وهم أشخاص سبعة ، يسافرون بأرواحهم من مكان إلى آخر ، ويتركون جسدهم في موضعهم الأول ، بحيث لا يحس أحد بسفرهم. عن «تعريفات» الجرجاني ص ٢٧ ، و «تعريفات» ابن العربي ص ٢.
(٤) والأوتاد عند الصوفية أيضا : عبارة عن أربعة رجال ، منازلهم على منازل الأربعة الأركان من العالم : الشرق ، والغرب ، والشمال ، والجنوب ؛ كل واحد منهم مقامه في تلك الجهة. عن الجرجاني في «التعريفات» ص ٢٧ ، وابن العربي ص ٢. ويريد أن الدولة غنية بالرجال.