السّحب ومناولة الشّهب مارنه (١) العزيز وأنفه ، وازدهى بلبوس السّعادة والقبول من الله عطفه ، إن فاخر بلاط الوليد ، (٢) كان له الفخار ، أو باهى القصر (٣) والإيوان ، (٤) شهد له المحراب والمنار ، أو ناظر صنعاء (٥) وغمدان ، قامت بحجّته الآثار ، إنما هو بهو ملؤه دين وإسلام ، وقصر عليه تحية وسلام ، وفضاء ربّاني ينشأ في جوّه للرّحمة والسّكينة ظلّة وغمام ، وكوكب شرق يضاحك وجه الشّمس منه ثغر بسّام ، دفع إلى تشييد أركانه ، ورفع القواعد من بنيانه ، سيف دولته الذي أستلّه من قراب ملكه وانتضاه ، وسهمه الذي عجم عيدان كنانته فارتضاه ، وحسام أمره الذي صقل فرنده بالعزّ والعزم وأمضاه ، وحاكمه المؤيّد الذي طالب غريم الأيام ، بالأمل العزيز المرام ، فاستوفى دينه واقتضاه ، الأمير الأعزّ الأعلى جهركس (٦) الخليلي أمير الماخورية باسطبله المنيع ، حرسه الله من خطوب الأيام ، وقسم له من عناية السّلطان أوفر الحظوظ والسّهام ، فقام بالخطو الوساع ، لأمره المطاع ، وأغرى بها أيدي الإتقان والإبداع ، واختصّها من أصناف الفعلة بالماهر الصّناع ، يتناظرون في إجادة الأشكال منها والأوضاع ، ويتناولون الأعمال بالهندام (٧) إذا توارت عن
__________________
(١) المارن : الأنف.
(٢) تقدم القول في تحديد «بلاط الوليد» في الحاشية رقم ٤ من ص ١٩٨.
(٣) لعله يريد قصر غمدان ؛ وانظر الحديث عنه ، وعن غمدان في ياقوت ٦ / ٣٠١ ـ ٣٠٣.
(٤) تقدمت كلمة عن : «إيوان كسرى» الذي يشير إليه هنا ، في الحاشية رقم ١ في ص ٨٧.
(٥) مرت كلمة عن : «صنعاء» في ص ١١١.
(٦) هو الأمير سيف الدين جهركس (ويكتب : جهاركس ، وجاركس) بن عبد الله اليلبغاوي الخليلي ، الذي ينسب إليه «خان الخليلي» المعروف اليوم بالقاهرة. قتل بظاهر دمشق سنة ٧٩١ ه في الوقعة بين منطاش ، والظاهر برقوق. له ترجمة واسعة في «المنهل الصافي» ، ورقة ٤٥١ (نسخة دار الكتب) ، وخطط المقريزي ٣ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، طبع مصر. وقد ضبط في «المنهل» : «جاركس» بجيم وألف وراء مهملة ساكنة وكاف «مهملة» وسين مهملة ساكنة ؛ وهو لفظ أعجمي معناه أربعة أنفس.
(٧) تقدم شرح كلمة «الهندام» في ص ١٩٣.