لواء المعالي والمفاخر ، ربّ التّيجان والأسرّة والمنابر ، والمجلّي في ميدان السّابقين من الملوك الأكابر ، في الزّمن الغابر ، حامل الأمّة بنظره الرّشيد ورأيه الظّافر ، وكافل الرّعايا في ظلّه المديد وعدله الوافر ، ومطلع أنوار العزّ والسّعادة من أفقه السّافر ، واسطة السّلك من هذا النّظام ، والتّاج المحلّى في مفارق الدّول والأيّام ، سيّد الملوك والسلاطين ، بركة الإسلام والمسلمين ، كافل أمير المؤمنين ، أبو سعيد. أعلى الله مقامه ، وكافأ عن الأمّة إحسانه الجزيل وإنعامه ، وأطال في السّعادة والخيرات المبدأة المعادة لياليه وأيّامه ؛ لما أوسع الدّين والملك نظرا جميلا من عنايته ، وأنام الخلق في حجر كفالته ، ومهاد كفايته ، وأيقظ لتفقّد الأمور ، وصلاح الخاصّة والجمهور ، عين كلاءته ، كما قلّده الله رعايته (١) وأقام حكام الشريعة والسياسة يوسعون نطاق الحقّ إلى غايته ، ويطلعون وجه العدل سافرا عن آيته. ونصب في دست النّيابة من وثق بعدله وسياسته ، ورضي الدّين بحسن إيالته ، وأمنّه على سلطانه ودولته ، وهو الوفيّ ـ والحمد لله ـ بأمانته ؛ ثم صرف نظره إلى بيوت الله يعنى بإنشائها وتأسيسها ، ويعمل النّظر الجميل في إشادتها وتقديسها ، ويقرض الله القرض الحسن في وقفها وتحبيسها ، وينصب فيها لبثّ العلم من يؤهّله لوظائفها ودروسها ، فيضفي عليه بذلك من العناية أفخر لبوسها ، حتّى زهت الدّولة بملكها ومصرها ، وفاخرت الأنام بزمانها الزّاهر وعصرها ، وخضعت الأواوين لإيوانها العالي وقصرها ، فابتهج العالم سرورا بمكانها ، واهتزّت الأكوان للمفاخرة بشأنها ، وتكفّل الرّحمن ، لمن اعتزّ به الإيمان ، وصلح على يده الزّمان ، بوفور المثوبة ورجحانها.
وكان ممّا قدمنّ به الآن تدريس الحديث بهذه المدرسة وقف الأمير صرغتمش من سلف أمراء التّرك ، خفّف الله حسابه وثقّل في الميزان ـ يوم يعرض على الرحمن ـ كتابه ، وأعظم جزاءه في هذه الصّدقة الجارية وثوابه ، عناية جدّد لي لباسها ، وإيثارا بالنّعمة التي صحّحت قياسها ، وعرفت منه أنواعها وأجناسها ، فامتثلت المرسوم ، وانطلقت أقيم الرّسوم ، وأشكر من الله وسلطانه الحظ المقسوم. وأنا مع هذا معترف بالقصور ، بين أهل العصور ، مستعيذ بالله وبركة هؤلاء الحضور ، السّادة الصّدور ، أن
__________________
(١) كذا في الأصلين ؛ ولعل أصل الكلام : «الله حق رعايته» ، أو «واجب رعايته» ، أو نحو هذا.