يجمح بي مركب الغرور ، أو يلج شيطان الدّعوى والزّور ، في شيء من الأمور. والله تعالى ينفع مولانا السّلطان بصالح أعماله ، ويعرّفه الحسنى وزيادة الحظّ الأسنى في عاقبته ومآله ، ويريه في سلطانه وبنيه وحاشيته وذويه قرّة عينه ورضى آماله ، ويديم على السّادة الأمراء ما خوّلهم من رضاه وإقباله ، ويحفظ المسلمين في هذا الأمر السّعيد بدوامه واتّصاله ، ويسدّد قضاتهم وحكّامهم لاعتماد الحقّ واعتماله بمنّ الله وإفضاله.
وقد رأيت أن أقرّر للقراءة في هذا الدّرس ، كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس ، رضياللهعنه ، فإنّه من أصول السّنن ، وأمّهات الحديث ، وهو مع ذلك أصل مذهبنا الذي عليه مدار مسائله ، ومناط أحكامه ، وإلى آثاره يرجع الكثير من فقهه.
فلنفتتح الكلام بالتّعريف بمؤلّفه ـ رضياللهعنه ـ ومكانه من الأمانة والدّيانة ، ومنزلة كتابه «الموطّأ» من كتب الحديث. ثم نذكر الروايات والطّرق التي وقعت في هذا الكاب ، وكيف اقتصر النّاس منها على رواية يحيى بن يحيى ، ونذكر أسانيدي فيها ، ثم نرجع إلى الكلام على متن الكتاب.
أمّا الإمام مالك ـ رضياللهعنه ـ فهو إمام دار الهجرة ، وشيخ أهل الحجاز في الحديث والفقه غير منازع ، والمقلّد المتبوع لأهل الأمصار وخصوصا أهل المغرب.
قال البخاري : مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي. كنيته أبو عبد الله ، حليف عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله (١) القرشي التّيمي ابن أخي طلحة بن عبيد الله. كان إماما ، روى عنه يحيى بن سعيد. انتهى كلام البخاري. (٢)
وجدّه أبو عامر بن عمرو بن الحرث بن عثمان (٣) ويقال : غيمان بغين معجمة مفتوحة ، وياء تحتانية ساكنة ، ابن جثيل بجيم مضمومة وثاء مثلّثة مفتوحة ، وياء
__________________
(١) في «الأنساب» للسمعاني ٤١ و «عثمان بن عبد الله التيمي» ، ولعله تصحيف.
(٢) تصرف ابن خلدون في النقل قليلا ، وانظر تاريخ البخاري ٤ / ٣١٠ طبع حيدر آباد سنة ١٣٦٠.
(٣) بعين مهملة وثاء مثلثة ، وقد نقل هذا الخلاف ابن خلكان في «الوفيات» ، أما ابن ماكولا فلم يذكر في «الإكمال» ج ١ ورقة ٢٢٧ ظ إلا «غيمان» ، ويقول القاضي عياض في «ترتيب المدارك» ١ / ١٣ ب (نسخة خاصة) : إن «عثمان» تصحف عن «غيمان».