ولم يختلف أهل زمانه في أمانته ، وإتقانه ، وحفظه وتثبّته وورعه ، حتى لقد قال سفيان بن عيينة (١) : كنّا نرى في الحديث الوارد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تضرب أكباد الإبل (في طلب العلم) (٢) فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة» أنّه مالك بن أنس.
وقال الشّافعي : إذا جاء الأثر فمالك النّجم ، وقال : إذا جاءك الحديث عن مالك ، فشدّ به يديك ؛ وقال أحمد بن حنبل (٣) : إذا ذكر الحديث فمالك أمير المؤمنين.
وقد ألّف الناس فضائله كتبا ، وشأنه مشهور.
وأما الذي بعثه على تصنيف «الموطّأ» ـ فيما نقل أبو عمر بن عبد البر ـ فهو أن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، (٤) عمل كتابا على مثال «الموطأ» ، ذكر فيه ما اجتمع عليه أهل المدينة ، ولم يذكر فيه شيئا من الحديث ، فأتي به مالك ، ووقف عليه وأعجبه ، وقال : ما أحسن ما عمل هذا! ولو كنت أنا الذي عملت لبدأت بالآثار ، ثمّ شددت ذلك بالكلام. وقال غيره : حجّ أبو جعفر المنصور ،
__________________
(١) سفيان بن عينية بن أبي عمران أبو محمد المحدث المشهور (١٠٧ ـ ١٩٨)
«تهذيب التهذيب» ٤ / ١١٧ ـ ١٢٢ ، «المعارف» لابن قتيبة ص ١٢٢ ، «وفيات» ١ / ٢٦٤.
(٢) الزيادة عن «الانتقاء» لابن عبد البر ص ٢١. والحديث أخرجه أحمد ، والترمذي وحسنّه ، والحاكم في المستدرك وصححه ، من حديث أبي هريرة مرفوعا. وانظر «تنوير الحوالك» ١ / ٥.
(٣) أبو عبد الله أحمد بن حنبل الإمام المجتهد المعروف ، ينتهي نسبه إلى بني شيبان (١٦٤ ـ ٢٤١).
«وفيات» ١ / ٢٠.
(٤) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المتوفى سنة ١٦٤ ببغداد في خلافة المهدي.
«المعارف» ص ٢٠٣ ، «تهذيب التهذيب» ٦ / ٣٤٣.