(١) ولقيه مالك بالمدينة ، فأكرمه وفاوضه. وكان فيما فاوضه : يا أبا عبد الله لم يبق على وجه الأرض أعلم منّي ومنك ، وقد شغلتني الخلافة ، فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به ، تجنّب فيه رخص ابن عبّاس (٢) وشدائد ابن عمر (٣) ووطّئه للناس توطئة. قال مالك : فلقد علّمني التأليف ، فكانت هذه وأمثالها من البواعث لمالك على تصنيف هذا الكتاب ، فصنّفه وسمّاه «الموطأ» أي المسهّل. (٤) قال الجوهري وطؤ يوطؤ وطاءة ، أي صار وطيئا ، ووطّأته توطئة ؛ ولا يقال وطّيته. (٥) ولما شغل بتصنيفه أخذ النّاس بالمدينة يومئذ في تصنيف موطآت ، فقال لمالك أصحابه : نراك شغلت نفسك بأمر قد شركك فيه النّاس ، وأتي ببعضها فنظر فيه ، ثم طرحه من يده وقال : ليعلمنّ أن هذا لا يرتفع منه إلا ما أريد به وجه الله ، فكأنما ألقيت تلك الكتب في الآبار ، وما سمع لشيء منها بعد ذلك ذكر ، وأقبل مالك على تهذيب كتابه وتوطئته ، فيقال إنه أكمله في أربعين سنة ؛ وتلقّت الأمة هذا الكتاب بالقبول في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن لدن صنّف إلى هلم. (٦) وطال ثناء
__________________
(١) أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الخليفة العباسي الثاني تولى الخلافة سنة ١٣٦ ، وتوفي سنة ١٥٨. له ترجمة واسعة في «تاريخ الطبري» ٩ / ١٥٤ ـ ٣٢٣.
(٢) أبو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وصاحبه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وتوفي سنة ٦٨ على خلاف في سنة الوفاة. تاريخ الإسلام للذهبي ٣ / ٣٠ ـ ٣٧.
(٣) أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي صاحب رسول الله ، وابن صاحبه. توفى سنة ٧٣ ، وكان عمره يوم الخندق ١٥ سنة. تاريخ الإسلام الذهبي ٣ / ١٧٧ ـ ١٨٤.
(٤) ذكر الزرقاني في شرحه للموطأ ١ / ٨ ، نقلا عن ابن فهد ، وجها آخر لتسميته بالموطأ ، قال :
«... قال مالك : عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة ، فكلهم واطأني عليه ، فسميته بالموطأ».
(٥) انظر لسان العرب أيضا (وطأ).
(٦) كذا في الأصلين ، وهو استعمال غريب. وقد استعمله في «مقدمته» في فصل الكيمياء ص ٢٧٣ بولاق. وانظر شرح الشريشي على مقامات الحريري ١ / ٨٤ ، تاج العروس (جر).