آخر منهم مكانه ، إلى أن انساق الأمر لولده حسن الناصر ، (١) فقتل مستبدّه شيخون ، (٢) وملك أمره. وألقى زمام الدولة بيد مملوكه يلبغا ، (٣) فقام بها ، ونافسه أقرانه ، وأغروا به سلطانه ، فأجمع قتله. ونمي إليه الخبر وهو في علوفة البرسيم عند خيله المرتبطة لذلك ، فاعتزم على الامتناع ، واستعدّ للّقاء. واستدعاه سلطانه ، فتثاقل عن القدوم. واستشاط السّلطان ، وركب في خاصته إليه ، فركب هو لمصالحته ، وهاجم السّلطان ففلّه ، ورجع إلى القلعة ، وهو في اتّباعه ، فلم يلفه بقصره ، وأغرى به البحث فتقبّض عليه ، واستصفاه ، وقتله ، ونصب للملك محمد المنصور (٤) بن المظفر حاجي بن الناصر. وقام بالدولة أحسن قيام ، وأغرى نفسه بالاستكثار من المماليك ، وتهذيبهم بالتربية ، وتوفير النعم عندهم بالإقطاع ، والولايات ، حتى كمل منهم عدد لم تعهده الدولة. ثم خلع المنصور بن المظفر لسنتين ، ونصب مكانه للملك شعبان الأشرف (٥) بن حسين ابن الناصر ، فأقام على التّخت وهو في كفالته ، وهو على أوله في إعزاز الدولة ، وإظهار الترف والثروة ، حتى ظهرت مخايل العزّ والنعم ، في المساكن والجياد والمماليك والزينة ، ثم بطروا النعمة ، وكفروا الحقوق ، فحنقوا عليه لما كان يتجاوز الحدود بهم (٦) في الآداب ، فهمّوا بقتله وخلصوا نجيا لذلك في متصيّدهم الشتوي ، وقد برزوا له بخيامهم وسلطانهم على عادتهم. ولما أحسّ بذلك ركب ناجيا بنفسه إلى القاهرة ، فدخلوا على السّلطان الأشرف ، وجاءوا به على إثره ، وأجازوا البحر ، فقبضوا عليه عشيّ
__________________
(١) لقبوه بالناصر (لقب أبيه) ، وانظر أخباره في العبر ٥ / ٤٤٧ ـ ٤٥٢ ، وابن إياس ١ / ١٩٠ ـ ٢١١.
(٢) الأمير الكبير سيف الدين الناصري ، قتل سنة ٧٥٨. وإليه ينسب الجامع ، والحانقاه تجاهه بالقاهرة. خطط المقريزي ٤ / ١١٣ وما بعدها طبع مصر.
(٣) هو يلبغا بن عبد الله الخاصكي (نسبة إلى خواص السّلطان). وقد تقدمت ترجمته.
(٤) في العبر خبر تنصيبه للملك بأوسع مما هنا ٥ / ٤٥٢ ، وانظر تاريخ ابن إياس ١ / ٢١١ ـ ٢١٢.
(٥) انظر تاريخ بن إياس ١ / ٣١٢ ـ ٢٣٨ ، والعبره / ٢٥٣ وما بعدها حيث تجد الحديث الوافي عن تولية الأشرف ، وأخباره.
(٦) كان يضربهم بالعصا ، ويجذع أنوفهم ، ويصطلم آذانهم. العبر. ٥ / ٤٥٦.