يومهم ، ثم قتلوه (١) في محبسه عشاء. وانطلقت أيديهم على أهل البلد بمعرّات لم يعهدوها من أول دولتهم ، من النهب والتخطّف وطروق المنازل والحمّامات للعبث بالحرم ، وإطلاق أعنّة الشهوات والبغي في كل ناحية ، فمرج أمر الناس ، ورفع الأمر إلى السّلطان ، وكثر الدعاء واللّجأ إلى الله. واجتمع أكابر الأمر إلى السّلطان ، وفاوضوه في كفّ عاديتهم ، فأمرهم بالركوب ، ونادى في جنده ورعيته بانطلاق الأيدي عليهم ، والاحتياط بهم في قبضة القهر ، فلم يكن إلا كلمح البصر ، وإذا بهم في قبضة الأسر. ثم عمّرت بهم السجون ، وصفّدوا وطيف بهم على الجمال ينادى بهم ، إبلاغا في الشهرة ، ثم وسّط (٢) أكثرهم ، وتتبع بالنفي والحبس بالثغور القصيّة ، ثم أطلقوا بعد ذلك. وكان فيمن أطلق جماعة منهم بحبس الكرك : فيهم برقوق الذي ملك أمرهم بعد ذلك ، وبركة الجوباني ، (٣) وألطنبغا الجوباني (٤) وجهركس الخليلي.
وكان طشتمر ، (٥) دوادار يلبغا ، (٦) قد لطف محلّه عند السّلطان الأشرف ،
__________________
(١) في العبر عرض واضح لهذه الثورة ٥ / ٤٥٦ ـ ١٥٨.
(٢) وسطه توسيطا : قطعة نصفين ، ويقال قتل فلان موسّطا.
(٣) هو بركة بن عبد الله الجوباني اليلبغاوي الأمير زين الدين. كان أميرا شجاعا يحب العلماء ؛ له مآثر خيرية بمكة ، والحرم ، وبطريق المدينة. قتل سنة ٨٧٢. المنهل الصافي ١ / ١٨٢ ـ ١٨٣ (نسخة نور عثمانية).
(٤) علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الجوباني اليلبغاوي الأمير ، كان من خيار الأمراء دينا ، وعقلا وشجاعة. مات في الواقعة بين منطاش والناصري خارج دمشق سنة ٧٩٢ ه ، وكان صديقا لابن خلدون ، وقد عرف به وأثنى عليه في العبر ٥ / ٤٧٦ ـ ٤٧ ، ٥ / ٤٦٢. ترجمته في «المنهل» ١ / ١٣٩ ب (نسخة نور عثمانية).
(٥) طشتمر بن عبد الله العلائي الدوادار الأمير سيف الدين ، توفي في دمياط منفيا سنة ٧٨٦. أثنى عليه ابن تغرى بردى كثيرا بمقدار ما قدح في بركة ، والظاهر برقوق. المنهل ١ / ٤١٠ (نسخة نور عثمانية).
(٦) لقب للذي يمسك دواة السّلطان أو الأمير ، ويتولى من الأمور ما يلزم هذا المعنى ، من حكم ، أو تنفيذ أمور ، أو غير ذلك. صبح الأعشى ٥ / ٤٦٢.