وولي الدوادارية له ، وكان يؤمل الاستبداد كما كان أستاذه يلبغا ، فكان يحتال في ذلك بجمع هؤلاء المماليك اليلبغاوية من حيث سقطوا ، يريد بذلك اجتماعهم عصبة له على هواه ، ويغري السّلطان بها شفاها ورسالة ، إلى أن اجتمع أكثرهم بباب السّلطان الأشرف ، وجعلهم في خدمة ابنه عليّ وليّ عهده. (١) فما كثروا ، وأخذتهم أريحية العزّ بعصبيتهم ، صاروا يشتطّون على السّلطان في المطالب ، ويعتزّون بعصبية اليلبغاوية. واعتزم السّلطان الأشرف عام سبعة وسبعين على قضاء الفرض ، فخرج لذلك خروجا فخما ، واستناب ابنه عليّا على قلعته وملكه في كفالة قرطاي (٢) من أكابر اليلبغاوية ، وأخرج معه الخليفة والقضاة. فلما بلغ العقبة (٣) اشتطّ المماليك في طلب جرايتهم من العلوفة والزاد ، واشتطّ الذين بمصر كذلك في طلب أرزاقهم من المتولّين للجباية. وصار الذين مع السّلطان إلى المكاشفة في ذلك بالأقوال والأفعال ، وطشتمر الدوادار يغضي عنهم ، يحسب وقت استبداده قد أزف ، إلى أن راغمهم السّلطان بالزجر ، فركبوا عليه هنالك ، وركب من خيامه مع لفيف من خاصّته ، فنضحوه بالنّبل ، ورجع إلى خيامه ، ثم ركب الهجن مساء ، وسار فصبّح القاهرة ، وعرّس هو ولفيفه بقبّة النصر.
وكان قرطاي كافل ابنه علي المنصور حدث بينه وبين ناظر الخاص المقسي مكالمة عند مغيب السّلطان أحقدته. وجاشت بما كان في نفسه ، فأغرى عليّا المنصور بن السّلطان بالتوثّب على الملك ، فارتاح لذلك وأجابه ، وأصبح يوم ثورة المماليك بالعقبة ، وقد جلس عليّا مكفوله بباب الإسطبل ، وعقد له الراية بالنداء على جلوسه
__________________
(١) انظر تفصيلا أوسع في العبر ٥ / ٤٦٢.
(٢) قرطاي (أو قراطاي) بن عبد الله المعزي الأشرفي سيف الدين ، رفيق أينبك ، وصهره ، وكان من أصاغر الأمراء في دولة الأشرف شعبان بن حسين ، ولكنه أصبح في أيام ولده عليّ أمير مئة ، ثم مقدم ألف. واختلف مع صديقه أينبك ، فحبسه إلى أن مات سنة ٧٧٩. «المنهل» ٢ / ١٩٩ ب (نسخة نور عثمانية) وانظر العبر ٥ / ٤٦٣ ـ ٤٦٧.
(٣) Aqaba عرضها الشمالي ٢٤ ، وطولها الشرقي ٤٦ ، وطولها الشرقي ٤٦. وموقعها في النهاية الشرقية الشمالية لخليج العقبة.