بالتخت ، وبينما هم في ذلك ، صبّحهم الخبر بوصول السّلطان الأشرف إلى قبّة النصر ليلتئذ ، فطاروا إليه زرافات ووحدانا ، فوجدوا أصحابه نياما هنالك ، وقد تسلّل من بينهم هو ويلبغا الناصري (١) من أكابر اليلبغاوية ، فقطعوا رؤوسهم جميعا ، ورجعوا بها تسيل دما. ووجموا لفقدان الأشرف ، وتابعوا النداء عليه ، وإذا بامرأة قد دلّتهم عليه في مكان عرفته ، فتسابقوا إليه ، وجاؤوا به فقتلوه لوقته بخلع أكتافه ، وانعقدت بيعة ابنه المنصور. وجاء طشتمر الدوادار من الغد بمن بقي بالعقبة من الحرم ، ومخلّف السّلطان ، واعتزم على قتالهم طمعا في الاستبداد الذي في نفسه ، فدافعوه وغلبوه وحصل في قبضتهم ، فخلعوا عليه بنيابة الشام ، وصرفوه لذلك ، وأقاموا في سلطانهم. وكان أينبك أميرا آخر من اليلبغاوية (٢) قد ساهم قرطاي في هذا الحادث ، وأصهر إليه في بعض حرمه ، فاستنام له قرطاي ، وطمع هو في الاستيلاء. وكان قرطاي مواصلا صبوحه بغبوقه ، ويستغرق في ذلك ، فركب في بعض أيامه ، وأركب معه السّلطان عليّا ، واحتاز الأمر من يد قرطاي ، وصيّره إلى صفد ، (٣) واستقلّ بالدولة ، ثم انتقض طشتمر بالشام مع سائر أمرائه ، فخرج أينبك في العساكر ، وسرّح المقدمة مع جماعة من الأمراء ، وكان منهم برقوق وبركة المستوليان عقب ذلك ، وخرج هو والسّلطان في الساقة ، (٤) فلمّا انتهوا إلى بلبيس ، ثار الأمراء الذين في المقدّمة عليه ، ورجع إليه أخوه منهزما ، فرجع إلى القلعة. ثم
__________________
(١) يلبغا بن عبد الله الناصري الأتابكي الأمير سيف الدين ، وهو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر بظاهر دمشق. المنهل ٢ / ٤٦٧ ـ ٤٧٠ (نسخة نور عثمانية). وانظر الدرر الكامنة ٤ / ٤٤٠ ـ ٤٤٢.
(٢) أينبك بن عبد الله البدري الأمير سيف الدين ، كان هو وقرطاي صاحبي الحل والعقد في الدولة. استبد بالمنصور ابن الأشرف ، ثم تغلب عليه يلبغا الناصري وأودعه سجن الاسكندرية.
المنهل ١ / ١٦٣ ب ـ ١٦٤ ا. (نسخة نور عثمانية) ، وانظر العبر ٥ / ٤٦٥.
(٣) صفد : Safed) عرضها الشمالي ٣٢ ـ ٥٨ ، وطولها الشرقي ٣٥ ـ ٣٠) مدينة في شمالي فلسطين ، واقعة في الشمال الغربي لبحيرة طبرية ، قريبة من حدود سوريا في الجنوب الغربي ، ومن حدود لبنان في الجنوب.
(٤) ساقة الجيش : مؤخره.