اختلف عليه الأمراء ، وطالبوه بالحرب في قبة النصر ، فسرح العساكر لذلك ، فلمّا فصلوا فرّ هو هاربا ، وقبض عليه وثقّف بالإسكندرية. واجتمع أمراء اليلبغاوية يقدمهم قطلقتمر العلائي ، (١) ويلبغا الناصري ودمرداش اليوسفي (٢) وبركة وبرقوق ، فتصدّى دمرداش ويلبغا وبركة وبرقوق ، إلى الاستقلال بالأمر وتغلّبوا على سائر الأمراء ، واعتقلوهم بالإسكندرية. وفوضوا الأمر إلى يلبغا الناصري ، وهم يرونه غير خبير ، فأشاروا باستدعاء طشتمر ، وبعثوا إليه ، وانتظروا. فلمّا جاءه الخبر بذلك ظنّها منية نفسه ، وسار إلى مصر ، فدفعوا الأمر إليه ، وجعلوا له التولية (٣) والعزل وأخذ برقوق ، وبركة يستكثران من المماليك ، بالاستخدام والجاه ، وتوفير الاقطاع ، إكثافا لعصبيتهما ، فانصرفت الوجوه عن سواهما ، وارتاب طشتمر بنفسه ، وأغراه أصحابه بالتوثب ، ولمّا كان الأضحى في سنة تسع وسبعين استعجل أصحابه على غير رويّة ، وركبوا وبعثوا إليه فأحجم ، وقاتلوا فانهزموا. وتقبض على طشتمر ، وحبس بالإسكندرية ، وبعث معه يلبغا الناصري ، وخلت الدولة للأميرين برقوق وبركة من المنازعين ، وعمروا المراتب بأصحابهما. ثم كثر شغب التركمان والعرب بنواحي الشام ، فدفعوا يلبغا الناصري إلى النيابة بحلب (٤) ليستكفوا به في تلك الناحية.
__________________
(١) قطلقتمر بن عبد الله العلائي الأمير سيف الدين الأشرفي. له ترجمة في المنهل ٢ / ٢١٠ ب (نسخة نور عثمانية) ، وانظر العبر ٥ / ٤٦٥ ، ٤٦٦٦.
(٢) دمرداش بن عبد الله اليوسفي الأمير سيف الدين ، كان مع منطاش ، والناصري على الظاهر برقوق ، وظفر به الظاهر فقتله في سنة ٧٩٣. ودمرداش بفتح الدال المهملة ، وميم مضمومة ، وراء ساكنة ، ودال ، وقيل ضاد ، وألف وشين ومعناه : حديد حجر. المنهل ١ / ٣٢٢ ا (نسخة نور عثمانية).
(٣) من هنا إلى قوله :
(*) ودعوني ولست من منصب الحكم ولا ساحبا لديهم ذيوله* (البيت رقم ٣٩ من القصيدة الواردة بعد قليل ، مما تنفرد به نسخة طب ، حيث وقع نقص في نسخة أيا صوفيا ، وما تفرع عنها من النسخ.
(٤) حلب Aleppo) عرضها الشمالي ٣٦ ـ ١٠ ، وطولها الشرقي ٣٧ ـ ٥) مدينة في شمال سوريا ، تغنيها المكانة التي تتبوؤها في التاريخ الإسلامي عن التحلية. وانظر ياقوت ٣ / ٣١١ ـ ٣٢١.