ثم تنافس برقوق وبركة في الاستقلال ، وأضمر كل واحد منهما لصاحبه ، وخشي منه ، فقبض برقوق على بطانة بركة من عصابته ليحصّ بذلك جناحه ، فارتاع لذلك بركة ، وخرج بعصابته إلى قبة النصر ليواضع برقوقا وأصحابه الحرب هنالك ، ورجا أن تكون الدائرة له. وأقام برقوق بمكانه من الإسطبل ، وسرب أصحابه في جموعهم إلى مجاولة أولئك. وأقاموا كذلك أياما يغادونهم ويراوحونهم ثلاثا ، إلى أن عضّت بركة وأصحابه الحرب ، فانفضّوا عنه ، وجيء ببركة ، وبعث به إلى الإسكندرية ، فحبس هنالك إلى أن قتله ابن عرّام نائب الإسكندرية. وارتفع أصحابه إلى برقوق شاكين ، فثأرهم منه بإطلاق أيديهم في النّصفة ، فانتصفوا منه بقتله في ساحة القلعة ، بعد أن سمّر ، وحمل على جمل عقابا له ، ولم يقنعهم ذلك ، فأطلق أيديهم فيما شاءوا منه ، ففعلوا ما فعلوا ؛ وانفرد برقوق ـ بعد ذلك ـ بحمل الدولة ينظر في أعطافها (١) بالتهديد ، والتسديد ، والمقاربة ، (٢) والحرص على مكافأة الدخل بالخرج. ونقّص ما أفاض فيه بنو قلاوون من الإمعان في الترف ، والسّرف في العوائد والنفقات ، حتى صار الكيل في الخرج بالمكيال الراجح ، وعجزت الدولة عن تمشية أحوالها ، وراقب ذلك كلّه برقوق ، ونظر في سدّ خلل الدولة منه ، وإصلاحها من مفاسده ، يعتدّ ذلك ذريعة للجلوس على التّخت ، وحيازة اسم السّلطان من أولاد قلاوون ، بما أفسد الترف منهم ، وأحال الدولة بسببهم ، إلى أن حصل من ذلك على البغية ، ورضي به أصحابه وعصابته ، فجلس على التخت في تاسع عشر رمضان من سنة أربع وثمانين ، وتلقّب بالظاهر ، ورتّب أهل عصابته في مراتب الدولة ، فقام وقاموا بها أحسن قيام ، وانقلبت الدولة من آل قلاوون إلى برقوق الظاهر وبنيه. واستمرّ الحال على ذلك ، ونافسه اليلبغاوية ـ رفقاؤه في ولاء يلبغا ـ فيما صار إليه من الأمر ، وخصوصا يلبغا نائب حلب ، فاعتزم على الانتقاض ، وشعر به الظاهر فبعث باستدعائه ، فجاء وحبسه مدّة ، ثم رجعه إلى نيابة حلب ، وقد وغر صدره من هذه المعاملة. وارتاب به الظاهر ، فبعث سنة تسعين دواداره للقبض عليه ، ويستعين
__________________
(١) الأعطاف : الجوانب.
(٢) المقاربة : ترك الغلو في الأمور ، وقصد السداد فيها.