الظاهر ، أغذّ السّير إلى مصر ، وتلقّاه الناس فرحين مسرورين بعوده وجبره ، ودخل منتصف صفر من سنة إحدى وتسعين ، وولّى بطا دوادارا ، وبعث عن الأمراء المحبوسين بالإسكندرية ، وأعتبهم ، وأعادهم إلى مراتبهم ، وبعث الجوباني إلى دمشق ، والناصريّ إلى حلب كما كانا ، وعادت الدولة إلى ما كانت عليه ، وولّى سودون على نيابته ، وكان ناظرا بالخانقاه التي كنت فيها ، وكان ينقم عليّ أحوالا من معاصاته فيما يريد من الأحكام في القضاء أزمان كنت عليه ، ومن تصرّفات دواداره بالخانقاه ، وكان يستنيبه عليها ، فوغر صدره من ذلك ، وكان الظاهر ينقم علينا معشر الفقهاء فتاوى (١) استدعاها منّا منطاش ، وأكرهنا على كتابها ، فكتبناها ، وورينا
__________________
(١) في السلوك ورقة ١٥٨ ب (نسخة الفاتح) سنة ٧٩١ : «في ٢٥ قعدة ، أحضرت نسخ الفتوى في الملك الظاهر ، وزيد فيها : «واستعان على قتل المسلمين بالكفار ، وحضر الخليفة المتوكل ، وقضاة القضاة : بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي. وابن خلدون ، وسراج الدين عمر بن الملقن الشافعي ، وعدة دون هؤلاء ، في القصر الأبلق ، بحضرة الملك المنصور ، ومنطاش ، وقدمت إليهم الفتوى ، فكتبوا عليها بأجمعهم ، وانصرفوا».
وفي تاريخ ابن الفرات (سنة ١٧٩١ / ١٦٠) :
«وفي يوم الاثنين اجتمعت الأمراء بالقصر الأبلق بقلعة الجبل ، بحضرة السّلطان الملك المنصور رحاجي ، والأمير منطاش ، والخليفة محمد ، والقضاة الأربعة ، والشيخ سراج الدين البلقيني ، وولده القاضي جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر ، وقاضي القضاة بدر الدين ابن أبي البلقاء الشافعي ، وقضاة العسكر ، ومفتون (كذا) دار العدل ، وكتبت فتاوي تتضمن : هل يجوز قتال الملك الظاهر برقوق أم لا؟ وذكروا في الفتاوي أشياء تخالف الشرع الشريف ، ومما تضمنته الفتاوي : أنه يستعين على قتال المسلمين بالنصارى ، فسألوهم (كذا) الجماعة عن ذلك ، فقيل لهم إن الملك الظاهر معه جماعة من نصارى الشوبك نحو ٦٠٠ نفس يقاتل بهم في عسكره ، ولم يكن الأمر كذلك ، وإنما أرادوا التلبيس على العلماء المفتيين ، فعند ذلك وضعوا (كذا) المذكورون خطوطهم على الفتاوى المذكورة بجواز قتاله ، وانفصل المجلس على ذلك ، ونودى في بكرة هذا النهار في القاهرة لأجناد الحلقة : أن لا يتأخر أحد منهم عن العرض ، ومن لم يحضر قطع خبزه».